المعارضة التونسية تدعم مقترح تشكيل «حكومة وحدة وطنية»

قيادات «النهضة» تتمسك برئاسة الائتلاف الحكومي

TT

المعارضة التونسية تدعم مقترح تشكيل «حكومة وحدة وطنية»

بات المشهد السياسي التونسي أكثر تشعباً وتعقيداً بعد أن تمسكت عدة أحزاب معارضة بمطالبها وشروطها للمشاركة في الائتلاف الحاكم، الذي تنوي حركة النهضة تشكيله.
وفيما تعمل قيادات حركة النهضة على تزعم المشهد السياسي من خلال تمسكها برئاسة الحكومة المقبلة، وذلك عبر تشكيل ائتلاف حكومي يعتمد على الكفاءات بدل المحاصصة الحزبية التي أثبتت فشلها، تدعو الأحزاب المنبثقة عن حزب النداء، الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سنة 2012، إلى «حكومة وحدة وطنية»، تكون مشابهة للحكومة التي يقودها يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية.
ووفق عدد من المحللين السياسيين، فإن هذا المقترح قد يمكّن عدداً من الأحزاب من التموقع السياسي بعيدا عن منطق نتائج صندوق الاقتراع، كما يمنع الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية من تسيّد المشهد السياسي، ويبعد بالتالي شبح الاستحواذ على السلطة.
وتشمل قائمة الأحزاب السياسية التي عرضت مقترح «حكومة وحدة وطنية» كلاً من حزب «نداء تونس»، الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي الراحل، وحزب «قلب تونس»، الذي يترأسه نبيل القروي المرشح السابق للرئاسة، فيما اشترطت حركة «تحيا تونس»، التي يترأسها يوسف الشاهد إقناع حزب «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» بجدوى هذا المقترح للمشاركة في حكومة وحدة وطنية. وقد أعلنت هذه الأحزاب السياسية الثلاثة أنها ستكون في صفوف المعارضة، مبرزة أنها لن تشارك في تشكيل حكومة تقودها حركة النهضة، غير أنها عبرت عن استعدادها للانضمام لحكومة «وحدة وطنية».
وفي هذا الشأن قال علي الحفصي، الأمين العام لحزب النداء، عقب اللقاء الذي جمعه بالرئيس المنتخب قيس سعيد، إن «تونس بحاجة ماسة إلى حكومة وحدة وطنية تتشارك في تشكيلها معظم الأطراف السياسية».
ومن جانبه، اعتبر عياض اللومي، القيادي في حزب «قلب تونس» أن تشكيل حكومة وحدة وطنية «بات أمراً محتوماً حتى تحظى الحكومة المقبلة بمساندة برلمانية قوية، وتضع الملف الاقتصادي والاجتماعي على رأس أولوياتها» على حد تعبيره.
وتدعم هذه الأحزاب فكرة تولي شخصية وطنية مستقلة رئاسة هذه الحكومة، وهو ما يتعارض مع توجه حركة النهضة، الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي تدعم في المقابل فكرة «حكومة برنامج». كما أن هذه الدعوة قد تلتقي مع تمسك حركة الشعب (حزب قومي) بالمرور إلى «حكومة الرئيس»، أي أن الرئيس هو الذي يقترح شخصية سياسية، لها القدرة على توحيد أكبر عدد ممكن من الأطياف السياسية.
ومن خلال تصريحات بعض قيادات حركة النهضة، فإنها لم تبد حماساً لهذه المقترحات، لأنها ستحرمها من حقها الدستوري في تشكيل الحكومة المقبلة، باعتبارها الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان الجديد. ويشكل فشل التجربة السابقة التي قادت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، قادها يوسف الشاهد، وفق مراقبين للشأن السياسي المحلي، درسا تستفيد منه حركة النهضة لتجنب تكرار التجربة الفاشلة، خاصة في حل الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وصعوبة محاسبة طرف سياسي، وتحميله المسؤولية برمتها، بسبب تعدد الأطراف السياسية المشاركة في الحكم، مما يحول دون إمكانية تنفيذ الوعود الانتخابية، التي تقدمت بها الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية.
وكانت حركة النهضة قد عرضت خلال مؤتمر صحافي ما سمته «وثيقة تعاقد حكومي» على الأطراف السياسية، التي تنوي الانضمام إلى الائتلاف الحاكم بزعامتها، وأكدت من خلال هذه الوثيقة على مجموعة من الأولويات، وفي مقدمتها مكافحة الفساد ومقاومة الفقر، ودعم الفئات الهشة. علاوة على تطوير التعليم والصحة والمرافق الحكومية، والنهوض بالاستثمار.
وفي غضون ذلك، تنتظر «النهضة» إجابات على مقترح «حكومة برنامج» الذي طرحته، وذلك قبل الإعلان في 13 من الشهر الحالي عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، والمرور إلى مرحلة تكليف شخصية من «النهضة» لتشكيل الحكومة بصفة رسمية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».