«فيتش» تبقي على تصنيف تركيا عند «بي بي سالب» مع نظرة مستقبلية مستقرة

إصدار جديد لسندات بأجل 5 و6 سنوات بعائد ثابت

يعتقد الخبراء أنه من المستحيل تطبيق نظام ضريبي فعال في بلد يشك فيه الناس في شرعية الإنفاق العام ويخشون من الفساد (رويترز)
يعتقد الخبراء أنه من المستحيل تطبيق نظام ضريبي فعال في بلد يشك فيه الناس في شرعية الإنفاق العام ويخشون من الفساد (رويترز)
TT

«فيتش» تبقي على تصنيف تركيا عند «بي بي سالب» مع نظرة مستقبلية مستقرة

يعتقد الخبراء أنه من المستحيل تطبيق نظام ضريبي فعال في بلد يشك فيه الناس في شرعية الإنفاق العام ويخشون من الفساد (رويترز)
يعتقد الخبراء أنه من المستحيل تطبيق نظام ضريبي فعال في بلد يشك فيه الناس في شرعية الإنفاق العام ويخشون من الفساد (رويترز)

أبقت وكالة «فيتش» الدولية للتصنيف الائتماني على تصنيفها لاقتصاد تركيا عند مستوى «بي بي سالب» على المدى الطويل. وقالت الوكالة، في بيان، إن التصنيف الائتماني لتركيا حافظ على مستوى «بي بي سالب» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».
وكانت «فيتش» خفضت التصنيف الائتماني لتركيا قبل 3 أشهر من «بي بي زائد» إلى «بي بي سالب» وحددت النظرة المستقبلية بـ«السلبية»، لكنها عدلت في بيانها الجديد الصادر ليل الجمعة - السبت، توقعاتها بشأن تركيا من «سلبي» إلى «مستقر»، مشيرة إلى أنها لا تتوقع تأثر المؤشرات الأساسية للاقتصاد التركي بعملية أنقرة «نبع السلام» شمال شرقي سوريا.
وذكرت الوكالة في بيانها أن «تركيا واصلت تحقيق تقدم في إعادة توازن اقتصادها واستقراره ما أدى إلى تقليص مخاطر الهبوط منذ مراجعتنا السابقة في يوليو (تموز) الماضي». وأشارت إلى «وجود تحسن في ميزان الحساب الجاري، وزيادة في احتياطيات العملة الأجنبية، وتراجع التضخم واستمرار النمو»، لكنها أضافت أن الليرة التركية راوحت مكانها على الرغم من خفض أسعار الفائدة.
وقالت «فيتش» إن ضعف الأوضاع المالية الخارجية وزيادة التضخم والتقلب الاقتصادي، بالإضافة إلى المخاطر السياسية والجيوسياسية، شكلت ضغطا على التصنيف الخاص بتركيا، وإن المسار القياسي لتركيا بشأن ارتفاع التضخم وتقلبه وضعف مصداقية السياسة النقدية والحد من استقلال البنك المركزي أكد خطر تجدد عدم استقرار الاقتصاد الكلي».
واستبعدت أن يكون للعملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا، المسماة «نبع السلام» تأثير، أوضحت أنها «لا تتوقع أن يكون لعملية أنقرة في شمال شرقي سوريا تأثير على المؤشرات الأساسية للائتمان، ما لم يحدث صراع على نطاق أوسع».
وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفترة وجيزة عقوبات على أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للضغط عليها، لوقف عمليتها في شمال شرقي سوريا ضد المقاتلين الأكراد، حلفاء بلاده السابقين في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.
في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية أنها ستصدر سندات لأجل 5 و6 سنوات بعائد ثابت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لتستفيد من انخفاضات حادة في أسعار الفائدة بالعودة إلى الاقتراض طويل الأجل.
ومنذ إطاحة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمحافظ البنك المركزي السابق مراد شتينكايا من منصبه في يونيو (حزيران) الماضي، أجرى البنك المركزي تحت رئاسة محافظه الجديد خلال 3 أشهر فقط (من يوليو (تموز) إلى أكتوبر الماضي) 3 تخفيضات كبيرة على سعر الفائدة الرئيس لينخفض بنسبة 10 في المائة من 24 في المائة إلى 14 في المائة.
وكان شتينكايا رفض طلبات وضغوط متكررة من إردوغان وصهره وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق لخفض سعر الفائدة خشية التأثير سلبا على قدرة الأسواق التركية على جذب رؤوس الأموال الأجنبية؛ حيث لجأ البنك إلى خطوة رفع أسعار الفائدة العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت البلاد وأفقدت الليرة التركية 30 في المائة من قيمتها كما قفزت بمعدل التضخم إلى ما فوق مستوى 25 في المائة.
ويتبنى إردوغان، الذي يصنف نفسه «عدوا للفائدة» نظرية مخالفة للنظريات التقليدية في الاقتصاد تقوم على أن خفض الفائدة يؤدي إلى خفض التضخم.
وكانت المرة الأخيرة، التي أصدرت فيها الخزانة التركية سندات بعائد ثابت لأجل 5 سنوات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 وسندات لأجل 10 سنوات في يوليو (تموز) السابق عليه. ومنذ ذلك الحين فضلت إصدارات قصيرة الأجل لتقييد التأثير طويل الأجل لتكلفة الاقتراض.
وقالت وزارة الخزانة والمالية التركية إنها تتوقع اقتراض 9 مليارات دولار من الأسواق الدولية في 2020 من خلال إصدارات للسندات، ارتفاعا من 8 مليارات دولار في العام الجاري.
وفي برنامجها للاقتراض للعام 2020. قالت الخزانة إنها تتوقع اقتراض 299.6 مليار ليرة (52.45 مليار دولار) محليا وأن تبلغ القيمة الإجمالية لنفقات خدمة الدين الخارجي والمحلي 352.1 مليار ليرة.
من ناحية أخرى، قدم حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى البرلمان حزمة إصلاح ضريبي لا تعالج أهم مشكلات تحصيل الإيرادات ويمكن وصفها بأنها مناهضة للإصلاح لأنها قد تزيد الأوضاع سوءا، بحسب خبراء.
وتتضمن الحزمة ضرائب جديدة في 3 قطاعات رئيسية، هي الخدمات الرقمية والعقارات عالية القيمة وخدمات الإسكان كما تشمل إجراء تغييرات على معدلات ضريبة الدخل. ولا تهدف الحزمة إلى إعادة تصميم النظام الضريبي أو ترشيده، بل تركز بدلاً عن ذلك على زيادة الإيرادات من أجل مواجهة العبء المالي للسياسات الشعبوية الموجهة نحو الانتخابات على مدى 3 سنوات.
وأوضح خبراء أن صناع السياسات وضعوا النظام الضريبي بحيث يتم خصم الضرائب من المصدر، اعتقاداً منهم بأن معظم الموظفين يفتقرون إلى المهارات التعليمية لتقديم عوائد سنوية أكثر تعقيداً. ولكن ذلك لم يعد هو الحال. ودعت رابطة الصناعة والأعمال التركية، أكبر مجموعة أعمال في البلاد، الأسبوع الماضي إلى إعادة النظر في الإصلاحات الضريبية المقترحة، وقالت إنها ستزيد العبء الضريبي على الشركات.
وذكرت الرابطة في بيان: «تمثل اللوائح الضريبية واحدة من القضايا الأساسية لاقتصادنا والحياة العامة.. ما تحتاجه بلادنا هو إصلاح ضريبي من شأنه أن يقلل من حجم الاقتصاد غير الرسمي، ويوسع القاعدة الضريبية ويجعل قوانيننا الضريبية أكثر بساطة وعدلاً وأكثر قابلية للفهم»
وحذر قطاع السياحة من تأثيرات حادة للضرائب الجديدة لأن الشركات لن يكون بمقدورها تحمل الزيادات القادمة.
ويعد الاقتصاد غير الرسمي إحدى أهم المشكلات التي تواجه تركيا كما يعد السبب الأساسي في عدم إنشاء نظام قوي لتحصيل الإيرادات. وكشف وزير الخزانة والمالية التركي برات ألبيراق في عرض لخريطة طريق البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل، في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي إن حجم الاقتصاد غير الرسمي زاد إلى 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويمكن فقط لنظام ضريبي أكثر منطقية وأكثر عقلانية أن يقلص الاقتصاد غير الرسمي، لكن الإجراءات المقترحة ستشجعه.
ومن شأن تخفيض عدد الشرائح الضريبية وخفض أعلى معدل للضريبة أن يشجع الناس على عدم إخفاء مصادر الدخل الإضافية. لكن الإصلاحات الضريبية التي تقترحها الحكومة تشمل زيادة عدد الشرائح الضريبية وزيادة أعلى معدل لضريبة الدخل من 35 في المائة إلى 45 في المائة.
ويتوقع الخبراء أن يزيد الإصلاح الضريبي المقترح من تعقيد نظام المالية العامة في تركيا، بدلاً عن ترشيده. وقد يبدو هذا خياراً معقولاً للحكومة التي تركز فقط على زيادة العائدات الضريبية على المدى القصير، ولكن حتى تلك التوقعات قصيرة الأجل قد لا تتحقق، ومن المرجح أن تنخفض العائدات الضريبية في الأجلين المتوسط والطويل
ويعتقد الخبراء أنه من المستحيل تطبيق نظام ضريبي فعال في بلد يشك فيه الناس في شرعية الإنفاق العام ويخشون من الفساد. في مثل هذه الظروف يميل الناس إلى التهرب من دفع الضرائب.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».