إقالات من رئاستي الجمهورية والحكومة تثير جدلاً حاداً في تونس

الرئيس الجديد يعطي الأولوية لملف ليبيا وإنعاش العلاقات التونسية ـ المغاربية

TT

إقالات من رئاستي الجمهورية والحكومة تثير جدلاً حاداً في تونس

شهدت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في تونس موجة من الاستقالات والإقالات، شملت عدداً من المستشارين الذين عملوا مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ووزراء ووزراء دولة ومستشارين لدى رأسي السلطة التنفيذية، وبعض المديرين العامين، وهو ما عزز إمكانية التوافق الذي يطبع العلاقة بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالية، وقيس سعيد رئيس الجمهورية، الذي تسلم مهامه الرئاسة رسمياً قبل نحو أسبوع.
ففي رئاسة الجمهورية شملت الإعفاءات الحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق، الذي عمل مستشاراً مع الرئيس السابق، ثمّ نور الدين بن تيشة المستشار السياسي لدى الباجي، وسعيدة قراش المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية، إضافة إلى الأميرال كمال العكروت المكلف الملف الأمني. أما على مستوى رئاسة الحكومة، فقد جرى إعفاء عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني، وخميس الجهيناوي وزير الخارجية، وحاتم الفرجاني وزير الدولة للدبلوماسية الاقتصادية، إضافة إلى مفدي المسدي المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة.
وعلاوة على تغيير القيادات السياسية، شملت القرارات الرئاسية مجال التدقيق المالي، الذي استهدف رئاسة الجمهورية، ووزارة الشؤون الخارجية، وعدداً من المصالح الإدارية الأخرى، حيث قرر رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بعد التشاور مع رئيس الدولة والتنسيق معه، تكليف «هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية» بإجراء تفقد إداري ومالي معمق داخل وزارة الشؤون الخارجية، وعدد من المصالح الإدارية الأخرى، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة، وذلك في إطار «الحرص على تحسين الحوكمة، وترشيد تسيير عمل الهياكل والمصالح العمومية، وإضفاء مزيد من النجاعة والشفافية على تسيير هياكل الدولة والارتقاء بمردوديتها».
لكن إعفاء وزيري الدفاع والخارجية، اللذين عينهما رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي، أثار جدلاً كبيراً داخل المشهد السياسي، خاصة بعد أن أصدرت رئاسة الجمهورية تبريراً لإقالة الوزيرين، أكدت من خلاله أن التعديل الوزاري كان ضرورياً حتى لا تستمر الأوضاع على ما هي عليه منذ أشهر.
وكشف الرئيس الجديد قيس سعيد عن دفعة أولى من الأسماء التي ستعمل معه خلال الفترة المقبلة، حيث كلف طارق بالطيب بمهام مدير الديوان الرئاسي، الذي شغل منصب سفير تونس في الإمارات، وترأس في السابق البعثات الدبلوماسية التونسية في مصر ولبيبا وإندونيسيا وإيران، كما عين سعيد عبد الرؤوف بالطبيب وزيراً مستشاراً لدى رئيس الجمهورية، وهو دبلوماسي سابق، بينما تم تعيين الجنرال محمد صالح الحامدي مستشاراً للأمن القومي، وهو يُعدّ من الكفاءات العسكرية المشهود لها.
في غضون ذلك، استمرت أمس اجتماعات التشاور داخل مقرات الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية بهدف احتواء الخلافات الحادة حول تشكيل الحكومة الجديدة والجهة التي سترأسها.
والتقى أمس قياديون من حزب النهضة، بزعامة راشد الغنوشي، ونائبه رئيس الحكومة السابق علي العريض، ورئيس اللجنة السياسية نور الدين العرباوي، والوزير زياد العذاري مع قياديين من حزب «الشعب»، الذي يتزعمه البرلماني زهير المغزاوي، ومع حزب «تحيا تونس» الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
في سياق ذلك، تابع الرئيس سعيد اجتماعاته الماراثونية مع زعماء أغلب الأطراف السياسية الحزبية والمستقلة، وممثلين عن المجتمع المدني، بهدف تدارس ملفات تشكيل الحكومة وسيناريوهات تطوير المشهد السياسي.
في السياق ذاته، وضعت مؤسسة الرئاسة حدّاً لنقاط الاستفهام حول أولويات الرئيس قيس سعيد وفريقه السياسي والعسكري والأمني، ووجهت رسالة واضحة حول التزامها بأحد أبرز تعهداته في حملته الانتخابية، وذلك بإعطاء أولوية مطلقة لملف ليبيا، والعلاقات التونسية - الليبية من جهة، والتونسية - المغاربية، من جهة ثانية، حيث تقرر بعد يوم واحد من إقالة وزيري الدفاع والخارجية تعيين ثلاثة مسؤولين كبار، سبق أن عملوا دبلوماسيين في ليبيا، وتحملوا خلال الأعوام الماضية مسؤوليات سياسية وعسكرية في متابعة الملف الليبي بأبعاده العسكرية والأمنية والسياسية، وفي مقدمتهم الدبلوماسي المخضرم السفير طارق بالطيب المسؤول عن ملف ليبيا في مكتب وزارة الخارجية سابقاً.
كما شملت التعيينات في قصر قرطاج منصب مستشار الأمن القومي الذي أوكل لرئيس أركان جيش البر السابق والمستشار العسكري في ليبيا سابقاً محمد الصالح الحامدي، الذي عوض الأميرال العكروت.
كما تم تعويض المستشار مدير المراسم في رئاسة الجمهورية السفير منذر بن مامي بالدبلوماسي طارق الحناشي، قنصل تونس في مدينة بنغازي الليبية سابقاً، والمستشار منذ مدة في ديوان وزير الخارجية.
كما اختار الرئيس الجديد ضمن فريق مستشاريه سيدتين: الأولى رشيدة النيفر التي كانت سابقاً رئيسة نقابة الصحافيين، والتي كلفها بحقيبة الإعلام، والثانية هي الخبيرة القانونية نادية عكاشة التي عينها مستشارة قانونية.
وفهم المراقبون من التعيينات الجديدة التي أقرها الرئيس قيس سعيد ربح الوقت، وتدارك مسار تعثر المشاورات من أجل تشكيل الحكومة، عبر تجديد ما يسميه المراقبون في تونس منذ 30 عاما «حكومة القصر»، أو «حكومة الظل في قرطاج»، أي منذ أن أحدث الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إدارة موسعة في قصر قرطاج تُعنى بكل الملفات، وتراقب عمل الحكومة، وتتابع عمل كل المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية عن بُعد.
وبحكم اعتماد قطاعات واسعة من جهات الجنوب ومحافظات الغرب والوسط الفقيرة على الشراكة مع ليبيا والجزائر والبلدان المغاربية، يبدو أن قيس سعيد أراد أن يثبت لناخبيه وفاءه بتعهداته، بإعطائه أولوية لوقف الحرب في ليبيا، وأزمتها السياسية، وتفعيل العلاقات التونسية - المغاربية، لكن مشروعه سيظل رهين موعد تشكيل تنصيب البرلمان والحكومة الجديدين قبل نهاية الشهر الحالي.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».