الدنمارك توافق على مد أنابيب غاز «سيل الشمال 2» من روسيا للأسواق الأوروبية

أثار ارتياحاً في موسكو وقلقاً أميركياً

TT

الدنمارك توافق على مد أنابيب غاز «سيل الشمال 2» من روسيا للأسواق الأوروبية

أعلنت السلطات الدنماركية أخيراً عن منحها موافقة لمد شبكة أنابيب «سيل الشمال 2»، لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى الأسواق الأوروبية. ومقابل ارتياح واضح إزاء القرار عبر عنه مسؤولون روس، واصلت الولايات المتحدة معارضتها المشروع، ووضعت عرقلته على رأس أولوياتها، رغم إقرارها بعدم بقاء خطوات مجدية يمكن اتخاذها لتوقيفه.
أما أوكرانيا التي قد تخسر عائدات ترانزيت الغاز الروسي عبر أراضيها بعد بدء العمل عبر أنابيب هذه الشبكة، فقد عبّرت عن قلقها وحذرت من أن «سيل الشمال 2» تشكل تهديداً لأمنها وأمن جمهوريات البلطيق في مجال الطاقة. ورغم تأكيد المسؤولين في «غاز بروم» القدرة على إنجاز المرحلة النهائية من مد الأنابيب خلال أسابيع، حتى نهاية العام الحالي، يرى مراقبون أن هذا الأمر لن يلغي الحاجة بشبكات الأنابيب الأوكرانية، على الأقل حتى مطلع العام 2021، أي إلى حين الانتهاء من أعمال أخرى ضرورية لبدء الضخ بعد إنجاز مد الأنابيب.
وأعلنت وكالة الطاقة الدنماركية، مساء أول من أمس، عن قرارها منح شركة «نورد ستريم 2» المشغّل لمشروع شبكة أنابيب «سيل الشمال 2» تصريحاً لمدّ أنبوبي الشبكة على الجرف القاري الدنماركي، في المسار جنوب شرقي جزيرة بورنهولم في بحر البلطيق. ويشكل هذا القرار نصراً جديدا لشركة «غاز بروم» الروسية، التي خاضت، منذ عام 2017، محادثات شاقة للحصول على الموافقة الدنماركية، بعد أن حصلت على موافقات الحكومات في الدول الأوروبية الأخرى، التي يُفترض أن تمر الأنابيب عبر مياهها الإقليمية.
ومنذ العام الماضي شكل موقف كوبنهاغن العقبة الوحيدة أمام إنجاز «سيل الشمال 2». وبررت السلطات الدنماركية رفضها منح موافقة على مد الشبكة بالمخاطر البيئة، والمخاوف من أن مد الأنابيب على المسار المقترح في البداية قد يعطل حركة الملاحة البحرية. وفي أبريل (نيسان) الماضي، اقترحت الشركة الروسية مسارات بديلة للشبكة في المياه الدنماركية، بالقرب من جزيرة بورنهولم. وفي نهاية المطاف، وافقت السلطات في كوبنهاغن على واحد من تلك المسارات، بطول 147 كلم، لأنه «أكثر أمناً ويتوافق مع معايير السلامة البيئية».
وجاء القرار الإيجابي الدنماركي في توقيت حاسم بالنسبة للمشروع والقائمين عليه، ذلك أنه وبعد أن أعلنت وكالة الطاقة الدنماركية في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، أنها لا تستطيع تحديد المهلة الزمنية التي يمكن أن تمنح خلالها الموافقة على مد «سيل الشمال 2» الروسي، عبر المنطقة الاقتصادية الدنماركية في بحر البلطيق، أشارت «غاز بروم» إلى احتمال اعتمادها مسارات بديلة في المياه الدولية، بعيداً عن ساحل الدنمارك، لتنفذ المشروع ضمن الجدول الزمني حتى نهاية العام الحالي.
وفي تصريحات له منذ أسابيع، قال فيكتور زوبكوف، رئيس مجلس إدارة «غاز بروم»: «نحتاج 4 - 5 أسابيع لننتهي من جميع الأعمال»، مؤكداً أن الشركة قادرة على مد الشبكة كاملة خلال المهلة المتبقية، حتى نهاية العام الحالي. وعلى ضوء الموقف الدنماركي حينها، لم يستبعد زوبكوف تغيير مسار الشبكة، وتجاوز المياه الدنماركية باتجاه مد الأنابيب عبر قعر البحر في المياه الدولية، وعاد وأكد أنه «من المجدي أكثر بالطبع مد الشبكة على مسافة أقرب من الدنمارك».
وجاءت ردود الفعل على قرار وكالة الطاقة الدنماركية متباينة، ما بين ترحيب روسي، واستياء أميركي. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك للصحافيين إن موسكو مرتاحة جداً للقرار، وأضاف: «لقد انتظرناه طويلاً. وصدوره يؤكد مجدداً أن المشروع يتوافق تماماً مع المعايير من وجهة نظر بيئية، ومن وجهة نظر المسار». أما أليكسي ميللر، رئيس شركة «غاز بروم» فقد أكد أن جميع أعمال مد أنابيب شبكة «سيل الشمال 2» سيتم إنجازها في المهلة المحددة، لافتاً إلى أن مد الأنابيب على طول 147 كلم قد يحتاج من 4 إلى 5 أسابيع، وأضاف: «بكل الأحوال فإن الشركة المشغلة للمشروع عازمة على الانتهاء من جميع هذه الأعمال ضمن الجدول الزمني المحدد». ووفق خطة المشروع يُفترض أن يتم حتى نهاية العام الحالي الانتهاء من مد أنبوبي «سيل الشمال 2» للربط عبر قعر البلطيق بين روسيا وألمانيا، لنقل الغاز إليها، وعبرها إلى أسواق الدول الأوروبية.
أما الولايات المتحدة، التي قادت خلال الفترة الماضية حملة ضد «سيل الشمال 2»، بدت مرتبكة بعد إعلان كوبنهاغن عن قرارها. جون ساليفان، نائب وزير الخارجية الأميركي، الذي رشحه الرئيس دونالد ترمب لمنصب سفير الولايات المتحدة في موسكو، قال خلال جلسة استماع في «الكونغرس»، أول من أمس: «هدفنا الرئيسي مواجهة (سيل الشمال 2)»، وحذر من أن «إنجاز هذا المشروع سيوفر لروسيا أداة ضغط هائلة».
وأضاف أن الولايات المتحدة على خلفية هذا الوضع تريد مساعدة أوكرانيا، بما في ذلك من خلال احتمال «وقف مد شبكة (سيل الشمال 2)، ليستمر تدفق الغاز إلى أوروبا عبر شبكة الأنابيب الأوكرانية»، إلا أن ساليفان أقر في الوقت ذاته أن فرض واشنطن عقوبات جديدة لن يوقف المشروع، وقال: «ما يقلقني أننا، على الأرجح، وصلنا إلى المرحلة التي باتت فيها روسيا تمتلك الموارد والإمكانيات لإنجاز مد الأنابيب، رغم تدابيرنا. والعقوبات في هذه الحال لن تكون مجدية». وأعاد إلى الأذهان أن الرئيس ترمب يقف ضد هذا المشروع، ودعا دول «الناتو»، وبصورة خاصة ألمانيا لتبني موقف مماثل.
وفي أوكرانيا التي تخشى أن تفقد شبكات أنابيبها لنقل الغاز أهميتها بالنسبة لروسيا، حال بدء ضخه إلى أوروبا عبر «سيل الشمال 2»، وترى بالتالي في هذا المشروع تهديداً لمصالحها، فقد حذرت على لسان يكاتيرينا زيلينكو، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية، من أن هذا المشروع يشكل تحدياً لأمن الطاقة في دول أوروبا الشرقية، ولأوكرانيا بصورة خاصة. وقالت زيلينكو إن الخارجية الأوكرانية على علم بقرار السلطات الدنماركية، وأكدت أن موقف بلادها بهذا الصدد لم يتغير، وأن أوكرانيا ترى أن «(سيل الشمال 2) يشكل تهديداً حقيقياً لدول حوض البلطيق، وكذلك تحدياً لأمن الطاقة في أوكرانيا، ودول أوروبا الشرقية».



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب 

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.