المبعوث الأممي يفتتح «محادثات تاريخية» في جنيف لإصلاح الدستور السوري

بمشاركة ممثلي الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني... ووزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران أكدوا دعم العملية

المبعوث الدولي غير بيدرسن يتوسط رئيسي وفدي الحكومة (يسار) أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوث الدولي غير بيدرسن يتوسط رئيسي وفدي الحكومة (يسار) أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

المبعوث الأممي يفتتح «محادثات تاريخية» في جنيف لإصلاح الدستور السوري

المبعوث الدولي غير بيدرسن يتوسط رئيسي وفدي الحكومة (يسار) أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوث الدولي غير بيدرسن يتوسط رئيسي وفدي الحكومة (يسار) أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف أمس (إ.ب.أ)

بدأ ممثلون عن الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني في جنيف، الأربعاء، مسار التفاوض حول الدستور، في خطوة وصفتها الأمم المتحدة بـ«لحظة تاريخية»، بعد أكثر من ثماني سنوات من النزاع الذي يمزق سوريا.
وانطلقت أعمال اللجنة التي تحظى بإجماع دولي، خلال جلسة افتتاحية ترأسها المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، بحضور الأعضاء المائة والخمسين للجنة الممثلين بالتساوي للحكومة والمعارضة والمجتمع المدني.
وقال بيدرسن في كلمة ألقاها وهو يتوسط رئيسي وفدي الحكومة أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة: «إنها لحظة تاريخية، لأنه لأول مرة، يجلس 50 مرشحاً من الحكومة و50 مرشحاً من المعارضة وجهاً لوجه».
وخاطب بيدرسن أعضاء الوفود، قائلاً: «أعلم أنه ليس من السهل عليكم أن تكونوا جميعاً هنا معاً في هذه الغرفة، وأنا أحترم ذلك»، مؤكداً «إن المهمة التي توشكون على الاضطلاع بها مهمة بالغة الأهمية».
وتأمل الأمم المتحدة والقوى الدولية أن يمهّد عمل اللجنة المكلفة بإجراء مراجعة للدستور، الطريق أمام تسوية أوسع للنزاع السوري، ولـ«فتح صفحة جديدة في سوريا»، بحسب بيدرسن.
وفشلت كل جولات التفاوض السابقة التي قادتها الأمم المتحدة في تحقيق أي تقدم على طريق تسوية النزاع بسبب تباين وجهات النظر بين وفدي النظام والمعارضة والقوى الدولية الداعمة لهما.
إلا أن انطلاق عمل اللجنة الدستورية يحظى بدعم دولي كبير، وفق ما أكد بيدرسن مطلع الأسبوع.
ولم يتخلل الجلسة الافتتاحية أي مصافحة بين رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة على المنصة. وغاب التصفيق بعد انتهاء الكلمات التي ألقاها كل منهما. بينما جلس وفد المجتمع المدني في الوسط بين الوفدين.
وقال رئيس وفد الحكومة أحمد الكزبري في كلمته، إن الدستور الحالي الذي تم إقراره عام 2012: «يعد دستوراً عصرياً بلا أدنى شك إلا أن ذلك لا يمنعنا نحن السوريين من أن نجتمع بغرض النظر في إمكان إجراء أي تعديل على الدستور الحالي أو تغييره ووضع دستور جديد».
وأكد الكزبري، أن مشاركة حكومته في المفاوضات لن يثنيها عن مواصلة جهودها العسكرية. وأوضح «حربنا ضد الإرهاب خضناها قبل اجتماعنا ونخوضها أثناء اجتماعنا وسنخوضها بعد اجتماعنا حتى تحرير آخر شبر من أرض وطننا الغالي».
وتشارك دمشق، وفق محللين، في المحادثات من موقع قوة على ضوء التقدم الميداني الذي حققته خلال السنوات الأخيرة وانتشار قواتها الشهر الحالي في شمال شرقي البلاد.
أما المعارضة، فقد خسرت الكثير من الدعم الدولي الذي كانت تحظى به، وبات وجودها على الأرض يقتصر على فصائل موجودة في شمال غربي البلاد وأخرى موالية لتركيا وتقاتل معها.
وقال رئيس وفد المعارضة هادي البحرة: «لقد آن الأوان كي نؤمن بأن النصر في سوريا هو كل شيء عن تحقيق العدالة والسلام وليس الفوز في الحرب». وشدد على ضرورة أن «نعض على جروحنا وأحزاننا ومعاناتنا وأن نبدأ بالاستماع لبعضنا بعضاً لفهم مخاوفنا وتحديد المشتركات فيما بيننا لتعزيزها وتحديد نقاط الخلاف لإيجاد طرق لحلها».
ولم تحدد الأمم المتحدة إطاراً زمنياً لإنجاز عمل اللجنة التي تتخذ قراراتها بالتوافق وإلا بأغلبية 75 في المائة من الأصوات، ما من شأنه أن يضمن عدم فرض أي طرف لإملاءاته على الآخر. ويخشى محللون أن تؤدي نسبة الأصوات المطلوبة هذه إلى شلّ قدرة اللجنة على اتخاذ أي إجراءات أو قرارات.
وكان بيدرسن طالب بتمديد وقف إطلاق النار الهش في شمال شرقي سوريا. وقال بيدرسن «ننادي بضرورة احترام وقف إطلاق النار، ونطالب كذلك بسريانه في عموم البلاد».
وقال بيدرسن في مؤتمر صحافي: «نعتقد أن القتال الدائر دليل آخر على أهمية الشروع في عملية سياسية جادة يمكن أن تساعد في حل المشكلات في ربوع سوريا، بما في ذلك شمال شرقي البلاد وأيضاً إدلب».
وعشية الاجتماع، التقى وزراء الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود جاويش أوغلو، والإيراني محمد جواد ظريف في جنيف. وقال وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، وهي القوى الإقليمية الثلاث المشاركة في الحرب الأهلية في سوريا، إن بلادهم تدعم المحادثات بين الأطراف المتحاربة في البلاد قبل المفاوضات في جنيف.
وقال لافروف: «نحث الجانبين على التوصل إلى اتفاق»، في حين أفاد ظريف: «إننا نلزم أنفسنا بعدم التدخل في العملية». وأعلن جاويش أوغلو: «أنا متفائل، لكننا لسنا ساذجين ونحن ندرك الصعوبات».
وانتقدت إيران وروسيا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإبقاء على وجود عسكري قرب حقول النفط في شمال شرقي سوريا، وقال وزير الخارجية الروسي، إن أي استغلال لمورد الطاقة هذا سيكون غير قانوني.
وأثار اقتراح ترمب يوم الأحد بأن تدير شركة «إكسون موبيل» أو شركة نفط أميركية أخرى حقول نفط سوريا انتقادات من خبراء قانونيين وفي مجال الطاقة.
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، قال الجمعة، إن الولايات المتحدة ستعزز وجود جيشها في سوريا بنشر أصول إضافية تشمل «قوات ميكانيكية»؛ للحيلولة دون انتزاع السيطرة على حقول النفط من قبل فلول تنظيم «داعش» أو غيرهم.
وتطرق ظريف للقضية، وقال: «حسناً... يبدو أن الولايات المتحدة باقية لحماية النفط. وعلى الأقل الرئيس ترمب صادق في أن يقول ما تعتزم الولايات المتحدة فعله».
وأضاف: «إيران وروسيا هناك بدعوة من الحكومة السورية، ونحن نعتزم البقاء هناك ما دامت الحكومة والشعب السوريان يريدان منا ذلك».
أما لافروف، فقال إن عودة القوات الأميركية إلى سوريا بعد نقلها للعراق تأتي «بذريعة حماية مكامن النفط من (داعش)». وأضاف: «أي استغلال غير قانوني للموارد الطبيعية لدولة ذات سيادة دون موافقتها إنما هو أمر غير شرعي ونشترك (مع إيران وتركيا) في هذا الرأي». ومضى يقول: «زملاؤنا الأميركيون على دراية بموقفنا وسندافع عن هذا الموقف».
وفي تغريدة له على «تويتر»، قال فخر الدين التون، مدير الاتصالات بالرئاسة التركية في وقت لاحق يوم الثلاثاء «موارد سوريا الطبيعية هي للسوريين». وأضاف: «النفط أو مصادر الإيرادات الأخرى يجب استغلالها في جهود إعادة الإعمار بما في ذلك البنية الأساسية المحلية ودعم المدنيين والنازحين داخلياً واللاجئين. وبقدر ضرورة تمكين السوريين من تحديد مستقبلهم السياسي، ينبغي السماح لهم أيضاً بتحديد كيفية إنفاق موارد أرضهم».
وعبر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا الثلاثاء جويل رايبرن عن قلقه إزاء «الوضع الخطير المستمر في شمال شرقي سوريا» وحث جميع الأطراف على العمل من أجل استقرار الوضع هناك.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».