تخبط داخل حزب ميركل بعد تقدم اليمين المتطرف في ألمانيا

أصوات دعت إلى استقالتها والتخلي عن النهج الوسطي الذي اعتمدته

المستشارة الألمانية تلقي كلمة في مؤتمر تقني في دورتموند أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية تلقي كلمة في مؤتمر تقني في دورتموند أمس (أ.ف.ب)
TT

تخبط داخل حزب ميركل بعد تقدم اليمين المتطرف في ألمانيا

المستشارة الألمانية تلقي كلمة في مؤتمر تقني في دورتموند أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية تلقي كلمة في مؤتمر تقني في دورتموند أمس (أ.ف.ب)

تواجه أنجيلا ميركل سيلا جديدا من الانتقادات في ألمانيا داخل حزبها المحافظ، بعد التقدم الكبير الذي حققه اليمين المتطرف في انتخابات إقليمية كان لها وقع الصاعقة في البلاد.
وشنّ فريدريغ ميرز، الخصم الرئيسي للمستشارة الألمانية داخل حزبها الديمقراطي - المسيحي، هجوما عنيفا عليها، داعيا إلى الاتجاه نحو اليمين والتخلي عن النهج الوسطي الذي تعتمده منذ سنوات، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وعلى قناة «زي دي إف»، انتقد بعنف عدم تحرك المستشارة الألمانية وافتقارها إلى صفات الزعامة، داعيا إياها ضمنا إلى الاستقالة قبل انتهاء ولايتها. وأضاف أنه «من المستحيل استمرار وتيرة عمل الحكومة في ألمانيا على ما هي عليه حاليا لسنتين إضافيتين»، حتى انتهاء ولايتها ثم تقاعدها كما تتوقع. وما دفع إلى هذا الجدال، الهزيمة التي مُني بها حزب ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي خلال انتخابات إقليمية نُظّمت الأحد في تورينجيا.
وحل هذا الحزب في المرتبة الثالثة في هذه المقاطعة التي كانت معقله لفترة طويلة، بعد حزب «البديل لألمانيا» من اليمين المتطرف الذي حصل على 23.4 في المائة من الأصوات، و«دي لينك» اليساري الراديكالي الذي جمع 31 في المائة من الأصوات. وتأتي هذه الصفعة على خلفية هزائم انتخابية أخرى في مقاطعتين أخريين في ألمانيا الشرقية سابقا في سبتمبر (أيلول)، حيث أحرز اليمين المتطرف الرافض للمهاجرين والمعارض لميركل تقدما كبيرا.
ومع هذا المشهد السياسي، تجدّدت الانتقادات لميركل المتهمة بأنها تتجه كثيرا إلى اليسار وتتسبب بانتقال الناخبين المحافظين إلى حزب البديل لألمانيا، بعد أن سمحت بدخول مئات آلاف المهاجرين إلى البلاد. وكانت ميركل تظن أنها نجحت في معالجة الأزمة بعدما تخلت قبل عام عن رئاسة حزبها إثر هزائم انتخابية معلنة مغادرتها المستشارية نهاية عام 2021، وحلت مكانها على رأس الحزب أنغريت كرامب - كارنباور، التي تؤيد هي الأخرى نهجا معتدلا.
لكن أنصار التشدد المجتمعين حول شخص فريدريغ ميرز الذي هُزم بفارق بسيط العام الماضي لتولي رئاسة الحزب، شنوا هجوما جديدا على ميركل. وقال أكسل فيشر، المسؤول عن الكتلة البرلمانية للحزب، إن «الهزيمة في تورينجيا نتيجة منطقية للسياسة الفارغة المضمون التي ينتهجها الحزب المسيحي - الديمقراطي على الصعيد الوطني».
وعنونت صحيفة «دي فيلت» المحافظة أمس: «معركة على السلطة داخل الحزب الديمقراطي - المسيحي بعد هزيمة تورينجيا الانتخابية»، معتبرة أن هذا الحزب «الذي تقوده أنجيلا ميركل هو المسؤول عن تزايد شعبية حزب البديل لألمانيا».
وكان الاستياء كبيرا أيضا من أنغريت كرامب - كارنباور التي تتولى أيضا حقيبة الدفاع وضاعفت ارتكاب الأخطاء منذ أشهر وباتت شعبيتها في أدنى مستوى في استطلاعات الرأي. وفشلت المبادرة التي أطلقتها مؤخرا لإرسال بعثة من الجنود الأمميين إلى شمال سوريا بشكل ذريع.
والتحرك الشبابي في الحزب الديمقراطي - المسيحي شكك بسلطتها بعد هزيمة تورينجيا الانتخابية، وتعالت أصوات من الداخل لتفسح المجال لشخصية أخرى كميرز ليخلف ميركل على رأس المستشارية. وستكون نقاشات المؤتمر المقبل للحزب الديمقراطي - المسيحي في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) حامية، بعد أن طلب ميرز أمس أن يتم خلاله طرح كل المواضيع التي تثير خلافات.
وتدفع ميركل وحزبها ثمن الصورة السيئة لحكومة الائتلاف التي شكلتها مع الاشتراكيين - الديمقراطيين منذ 2018 لعدم وجود بديل آخر. أما الحزب الاشتراكي - الديمقراطي فهو حاليا في حالة أسوأ ويسعى للبقاء في المشهد السياسي. وسيقرر في ديسمبر (كانون الأول) ما إذا سيبقى في الائتلاف أم لا ما قد يفتح الباب لتنظيم انتخابات مبكرة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟