بدأت دول الاتحاد الأوروبي رسم مستقبل طاقوي مبهر لها يُعوّل على طاقة الهيدروجين النظيفة. وسبق لدول مجموعة العشرين، التي تُمثّل نحو ربع سكان العالم، وأكثر من 80 في المائة من المردودية الاقتصادية العالمية، وتضم أهم الدول الصناعية والناشئة، أن ناقشت منافع الرهان على طاقة الهيدروجين في قمة أوساكا التي انعقدت في شهر يونيو (حزيران) الماضي. في الحقيقة، كتب الروائي الفرنسي جول فيرن، عام 1875، عن حُلم استخراج غاز الهيدروجين من الماء. وبعد 144 عاماً تحوّل هذا الحلم إلى حقيقة ستستفيد منها الأُسر والشركات في أوروبا بدعم حكومي مباشر يعتبره خبراء الطاقة الألمان بداية مستقبل طاقوي نظيف ومضمون من الجيل الثاني.
يقول المستشار السابق لدى وكالة الطاقة الدولية الخبير الألماني راينر موزير إنّ الهيدروجين غير موجود بصورة حُرّة في الطبيعة. ولإنتاجه، ينبغي تمريره داخل سلّة من الآليات الصناعية الكيميائية والكهربائية. هكذا، ينجح العالم، اليوم، في استخدام 4 - 5 في المائة من الهيدروجين المتوافر على الكرة الأرضية لأغراض صناعية وإنتاجية.
ويضيف الخبير الألماني أن الهيدروجين يمكن استعماله، أيضاً، بصورة فعّالة لخزن الطاقة المُتجدّدة ضمن ما يُعرف باسم سياسة الأمن الطاقوي الأوروبية، كما يمكن استخدام الهيدروجين لمساعدة قطاعات صناعية دولية عدّة، مثل النقل وصناعة الحديد والصلب، في التخلّص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالجو بتكلفة زهيدة نسبياً.
ويختم: «شعرت حكومات دول الاتحاد الأوروبي بأهمية طرح طاقة الهيدروجين على طاولة الحوار في عام 2018، وتم التوقيع على مذكّرة تفاهم لمواصلة الأبحاث وضخّ الاستثمارات في إنتاج الهيدرجين واستعماله، مما يُمهّد الطريق أمام شراكة أوروبية، هي الأولى من نوعها في العالم، لتخصيص موارد تكنولوجية ومالية، رسمية وخاصة، لتوليد اقتصاد أوروبي جديد يعتمد على إنتاج طاقة الهيدروجين النظيفة، وتأمين مئات آلاف الوظائف داخله».
من جانبه، يقول الخبير الألماني مارك فاندلت من شركة الاستشارات (نافيغانت) التابعة لمجموعة «غاز فور كلايمت»، التي تضمّ أكبر سبع شركات أوروبية لنقل الغاز، إن كمية إنتاج الغاز الصديق بالبيئة، وأغلبه مُكوّن من الهيدروجين والغاز البيولوجي، تُقدّر بنحو 270 مليار متر مُكعّب.
ولدى استعمال هذه الكمية داخل البنى التحتية الطاقوية الأوروبية، فإن ذلك سيساعد في التخلّص نهائياً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، علاوة على ذلك، ستنجح الأُسر والشركات الأوروبية في توفير 217 مليار يورو سنوياً من فاتورة الطاقة.
ويضيف أن استعمال غاز الهيدروجين أوروبياً سيتم عبر مرحلتين؛ في المرحلة الأولى، التي ستكون بداية العصر الطاقوي الهيدروجيني في أوروبا، سيتم التعويل على الهيدروجين الأزرق المُنتج من الغاز الطبيعي بعد تحريره كيميائياً من ثاني أكسيد الكربون. واعتباراً من عام 2050، سيتم استبدال به نوعاً آخر معروفاً باسم الهيدروجين الأخضر المُشتقّ من الطاقتين المُتجدّدتين الشمسية والرياح.
ويضيف: «سيلعب شمال أفريقيا دوراً مهماً في تزويد القارة الأوروبية بالهيدروجين. فتكلفة إنتاج الهيدروجين بواسطة الألواح الشمسية هناك أرخص 14 في المائة مقارنة بأوروبا. وستستقبل جزيرة صقلية الإيطالية الهيدروجين المُصدَّر من شمال أفريقيا عبر شبكة أنابيب متوافرة حالياً لتوزيعه على الدول الأوروبية وفق حصص يتم تحديدها مُسبّقاً. وعلى صعيد ألمانيا، من المتوقع زيادة نسبة استخدام غاز الهيدروجين من 8 إلى 10 في المائة بحلول عام 2050، وهذا من شأنه تخفيض فاتورة الطاقة على الأسر والمؤسسات الحكومية والخاصة أكثر من 50 مليار يورو سنوياً.
في موازاة ذلك، من المتوقّع أن يقفز عدد الوظائف الهندسية والمعلوماتية في قطاع الطاقة الهيدروجينية المتجددة الألماني إلى أكثر من 150 ألفاً، ما سيجعل أوروبا في موقع متقدّم جداً مقارنة بدول شمال أميركا».
أوروبا تراهن على طاقة الهيدروجين النظيفة
أوروبا تراهن على طاقة الهيدروجين النظيفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة