«واتساب» وسيلة التواصل في أفغانستان... في الحرب والسلام

الأميركيون ناقشوا تطوير بديل له لتفادي «مخاطره الأمنية» على البلاد

مسؤولون أفغان أشادوا بمميزات «واتساب» في مواجهة «طالبان» التي يعتمد مقاتلوها التطبيق في التواصل فيما بينهم (نيويورك تايمز)
مسؤولون أفغان أشادوا بمميزات «واتساب» في مواجهة «طالبان» التي يعتمد مقاتلوها التطبيق في التواصل فيما بينهم (نيويورك تايمز)
TT

«واتساب» وسيلة التواصل في أفغانستان... في الحرب والسلام

مسؤولون أفغان أشادوا بمميزات «واتساب» في مواجهة «طالبان» التي يعتمد مقاتلوها التطبيق في التواصل فيما بينهم (نيويورك تايمز)
مسؤولون أفغان أشادوا بمميزات «واتساب» في مواجهة «طالبان» التي يعتمد مقاتلوها التطبيق في التواصل فيما بينهم (نيويورك تايمز)

عندما أحاط المئات من مقاتلي جماعة «طالبان» مركز ضاحية بالا مرغب، غرب أفغانستان، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، علمت القوات الأفغانية المتمركزة هناك أنها في خطر. ولم تتمكن هذه القوات من التواصل مع قوات الكوماندوز التابعة لها، وكان الدعم الجوي الأميركي أملها الأخير.
بعد ذلك، خيمت السحب على الأجواء، ولم يتمكن الأميركيون من رؤية الأفغان. وسعياً وراء تنسيق الهجمات الجوية، لجأ القائد الأفغاني إلى الأداة المفضلة في ملايين التليفونات عبر العالم: تطبيق «واتساب».
خلال السنوات الخمس الأخيرة، احتل «واتساب» المرتبة الثانية بعد «فيسبوك» كوسيلة تواصل بين الأفغان ومع العالم الخارجي. واليوم، اخترق التطبيق المملوك لـ«فيسبوك»، بصورة كاملة أعلى مراتب الحكومة الأفغانية والمؤسسة العسكرية، إلا أن مسؤولين أميركيين يقولون إنه رغم تأكيد «واتساب» أن رسائله مشفرة، فإنه يشكل مخاطرة أمنية.
وقد طلبت القوات الأميركية من «البنتاغون» تطوير بديل، خاصة للاتصالات العسكرية، بحيث يتمكن الأفغان من تنزيله على هواتفهم، ويتميز بقدر أكبر من الأمان. وقالت وزارة العدل الأميركية إنها بحاجة إلى ثغرة في تشفير «واتساب» و«فيسبوك مسنجر» حتى تتمكن من الدخول إليهما على نحو قانوني لمحاربة الجريمة والإرهاب.
ومع ذلك، قال مسؤولون أفغان عسكريون إن «واتساب» يتميز بفوائد فريدة في مواجهة «طالبان» التي يعتمد مقاتلوها على التطبيق في التواصل مع القيادات وأقرانهم. وتحولت المعركة إلى حرب من المكاسب التكتيكية الصغيرة والسريعة ـ ضاحية هنا وقرية هناك ـ ولذلك، يقولون إن مميزات التطبيق تفوق كثيراً أخطاره المحتملة.
بصورة أساسية، يتميز «واتساب» بالسرعة والمرونة، ولم يعد هناك حاجة لإرجاء اتخاذ قرارات عاجلة بخصوص شن هجوم وشيك من جانب وزراء وقادة وعسكريين للوصول إلى مركز عمليات آمن. وتحول «واتساب» إلى مراكز عمليات افتراضية، مع إرسال وزراء وقادة قراراتهم من داخل غرف النوم، وفيما بين الاجتماعات، بل ومن داخل صالة المطار.
وفي هذا الصدد، قال عبد القادر بهادورزاي المتحدث الرسمي باسم «فيالق 215» المتمركزة جنوب إقليم هلمند، حيث تسيطر «طالبان» على كثير من أرجاء الإقليم، في مواجهة قوة أفغانية تنزف منذ سنوات: «كان أداة مفيدة للغاية، فهو سهل الاستخدام ويصل إلى المستويات الأعلى من القيادة. وقد استغرق الأمر بضع دقائق، مقارنة بالتواصل معهم عبر إشارات الراديو، بل وفي بعض الأحيان الهواتف تكون مشغولة.
مع فتح جبهات معارك متعددة عبر البلاد، ووقع هجمات في بعض الأحيان في 24 من إجمالي 34 إقليماً بالبلاد، تعتمد القيادات الأمنية على كثير من مجموعات «واتساب»، كي يتمكنوا من خلالها من تنسيق الموارد عبر مواقف طارئة. وتستمر بعض المجموعات خلال فترة تنفيذ عملية معينة، بينما تتسم عمليات أخرى باستدامة أطول. ويجري ضم قيادات محلية وحذفها من المجموعات حسب الحاجة.
في حالات نادرة، مثل العملية الدائرة في بالا مرغب، جرت إضافة قيادات عسكرية أميركية إلى مجموعات صغيرة، حسبما ذكر مسؤولون أفغان. ومع ذلك، تبقى معظم مجموعات «واتساب» للتواصل مع قيادات أمنية أفغانية وأخرى على الأرض.
وفي بعض الأحيان، يستخدم مسؤولو الأمن الأفغان «واتساب» للتواصل مع الجنرال أوستن إس ميلر، القائد الأميركي الأعلى بالبلاد، وينتقلون إلى خطوط آمنة من أجل مناقشة قرارات حساسة.
من ناحيتهم، يتواصل المسؤولون العسكريون الأميركيون عبر شبكات راديو مشفرة وبوابات إنترنت سرية لتبادل نمط المعلومات الذي يتبادله نظراؤهم الأفغان عبر هواتفهم الذكية. ولا يبدي قادة «طالبان» داخل ضواحي موسى كالا وسانغين، قلقاً من المخاطر الأمنية المرتبطة بـ«واتساب». وأشاروا إلى أنه، بجانب الراديو، كان «واتساب» السبيل الأسرع للتواصل.
ورغم أن بعض مقاتلي قادة «طالبان» يفتقرون إلى معرفة القراءة والكتابة، فإن خدمة الرسائل الصوتية تخدمهم ولا تجعل هذه الأمية عائقاً أمامهم.
وقال أحد قادة «طالبان» في سانغين: «لا يتطلب (واتساب) معرفة مهارات الكتابة، وإنما مجرد إرسال رسالة صوتية، وانتظار الرد عندما تشغل الهاتف الجوال».
وخلال مفاوضات سلام عُقدت مؤخراً مع «طالبان» في الدوحة، جرى استغلال «واتساب» بصورة مكثفة من جانب مفاوضي الجماعة والمفاوضين الأميركيين رفيعي المستوى. ومزح أحد مسؤولي الولايات المتحدة بأن زلماي خليل زاده، المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، كان يدير عملية السلام بأكملها عبر «واتساب».
وخلال شهور المحادثات، كان أفراد الجانبين يتحركون في ظروف على بوابة النادي الدبلوماسي، حيث كانت تجري المناقشات. وأثناء استراحات الغداء واحتساء القهوة والصلاة، كانوا يحصلون على هواتفهم.
وبدا أن مفاوضي «طالبان» والدبلوماسيين الأميركيين على وشك وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق، قبل أن يلغي ترمب الأمر برمته، بعث أحد كبار قادة «طالبان» برسالة صوتية على مدار 17 دقيقة، أعرب خلالها عن قلقه من أن المفاوضين على وشك التوقيع على اتفاق.
وفي بعض الأحيان، كان صوت قائد «طالبان» يختنق بالدموع. وانتشرت الرسالة التي كانت موجهة إلى كبير مفاوضي «طالبان» عبر مختلف أرجاء مجموعات «طالبان»، عبر «واتساب» وفيما وراءها.
وفي رسالة ردّ استمرت ستّ دقائق، جرى تخصيص نحو 30 ثانية منها للتحية والدعاء لصاحب الرسالة الأولى، فنّد قائد آخر من «طالبان» المنطق الذي طرحه القائد الأول، ودافع عن المفاوضات وفريق المفاوضين عبر طرح تفسيرات مختلفة لذات الآيات القرآنية التي دفعه بها صاحب الرسالة الأولى.
ومن بين أولى الأمثلة وأبرزها على استخدام «واتساب»، كان قائد أفغاني يدعى الجنرال عبد الرازق، قائد الشرطة في إقليم قندهار، الذي تعرّض للاغتيال، العام الماضي، بدأ حارس حدود برتبة صغيرة، وكان يفتقر إلى التعليم الأساسي، لكنه بمرور السنوات أصبح جنرالاً حوّل قوات أمن محلية إلى وحدة عسكرية قوية اعتمدت عليها القوات الأميركية في الدفاع عن جنوب البلاد في مواجهة «طالبان».
اضطر الجنرال عبد الرازق بفضل تنامي مكانته السياسية واتساع دائرة مصالحه التجارية إلى السفر باستمرار إلى كابل وما وراءها. واحتاج للبقاء على اتصال وثيق مع قيادة الوحدة التي يترأسها، وهنا ظهرت أهمية «واتساب». وأثناء وجوده في باريس أو دبي، كان الجنرال الأفغاني يستغل «واتساب» للتوجيه بإرسال ذخائر إلى قواته أو مخزونات وقود.

- خدمة «نيويورك تايمز»



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.