اقتصاديون بارزون يدعون واشنطن وبكين إلى «التعقل»

اقتصاديون بارزون يدعون واشنطن وبكين إلى «التعقل»
TT

اقتصاديون بارزون يدعون واشنطن وبكين إلى «التعقل»

اقتصاديون بارزون يدعون واشنطن وبكين إلى «التعقل»

دعت مجموعة من الاقتصاديين البارزين من الولايات المتحدة والصين، العملاقين الاقتصاديين إلى التخلي عن الحرب التجارية الدائرة بينهما، والاتفاق على انتهاج طريق جديد، من شأنه أن يتيح لكل طرف حيزاً أوسع لتنفيذ السياسات الاقتصادية الداخلية الخاصة به، والتصدي لمن يعملون على الإضرار بهما.
وأعرب 37 من كبار الاقتصاديين في البلدين، بينهم جوزيف ستيغلز ومايكل سبنس وثلاثة آخرون من الفائزين بجائزة نوبل، في بيان صدر في بكين الأحد، عن أسفهم إزاء ما وصفوه بأنه «هبوط لمستوى النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى جدل ثنائي»؛ حيث أصبحت الحلول التي برزت تتمثل فقط في قيام الصين بإصلاحات اقتصادية شاملة، تؤدي إلى انتهاجها نماذج اقتصادية متقاربة مع أميركا، أو «انفصال تام» بين السياسات الاقتصادية للدولتين، من شأنه إلحاق أضرار اقتصادية.
وبحسب ما أوردته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، دفعت المجموعة بأن يتم تبني إطار أكثر تعقلاً للعلاقات التجارية المستقبلية بين البلدين، من شأنه أن يتيح للصين مجالاً لاتباع سياسات صناعية جديدة؛ حيث كانت مثل هذه السياسات، في الغالب هدفاً لانتقادات الولايات المتحدة. كما سيسمح هذا الإطار بإفساح أفق للولايات المتحدة، لكي ترد بفرض رسوم جمركية تستهدف قطاعات معينة، في حال ألحقت السياسات الصينية ضرراً بالمصالح الأميركية.
وجاء في البيان: «نعتقد أن هذا المنهاج يحافظ على معظم المكاسب الناتجة عن التبادل التجاري بين الاقتصادين، من دون افتراض وجود تقارب في النماذج الاقتصادية الخاصة بكل منهما»، كما أن المنهاج يتماشى مع النظام التجاري الراهن متعدد الأطراف، رغم أنه سيوسع حقوق الولايات المتحدة والصين، في ظل القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية.
ورأت «بلومبرغ» أن هذه الدفعة الناجمة عن البيان تمثل خطوة رمزية للسبل التي يناضل من خلالها الاقتصاديون والمفكرون الآخرون، للتوصل إلى نهج بشأن التعامل مع تحدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لنماذج الإدارة الحالية للاقتصاد العالمي. وفي الوقت الذي حاولت فيه دول كثيرة تبني موقف الدفاع عن منظمة التجارة العالمية ومؤسسات أخرى، في مسعى لحمايتها من هجمات ترمب، هناك اعتراف متزايد من أطراف كثيرة في مجال السياسة بأن النظام الراهن لم يفلح في معالجة موضوع الصعود الاقتصادي للصين، وتداعياته على اقتصادات أخرى.
ويأتي هذا البيان في الوقت الذي يعمل فيه ترمب على إتمام ما أسماه «المرحلة الأولى» من الهدنة التجارية مع الصين، والتي تستهدف تجنب مزيد من التصعيد في الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين. وتضمن الهدنة أن تلتزم الصين باستئناف شراء المنتجات الزراعية الأميركية، بمعدلات مماثلة للفترة التي سبقت بدء فرض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية الجديدة العام الماضي، ووقف التهديد بفرض مزيد من الرسوم، بالإضافة إلى تضمين التزامات للصين بإدخال إصلاحات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، والتلاعب في قيمة العملة من قبل بكين.
غير أن الاتفاق المؤقت الذي أعرب ترمب عن أمله في أن يتمكن من توقيعه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، أثناء قمة مقررة في تشيلي الشهر المقبل.
من شأنه أن يؤجل إلى حد كبير مناقشة الشكاوى الأميركية الأخرى، التي تتعلق بالسياسات الصناعية في الصين، إلى جولات تفاوض لاحقة.
ويتصدر قائمة الموقعين على بيان اليوم جيفري ليمان، أستاذ القانون بـ«جامعة نيويورك الأميركية»، والاقتصادي البارز بـ«جامعة هارفرد» داني رودريك، ويانغ داو، عميد «المدرسة الوطنية للتنمية» بـ«جامعة بكين». ويعد رودريك منتقداً منذ زمن للعولمة، ولطالما دافع عن إعطاء الدول «مجالاً أوسع لتنفيذ السياسات الخاصة بها»، لكي تنفذ وتحمي الأولويات الاقتصادية الداخلية، قائلاً إن النظام التجاري العالمي الحالي ينتهك، في الغالب، سيادة الدول.
وقال رودريك في مقابلة صحافية، إن هجوم ترمب التجاري على الصين نقل الجدل بشأن كيفية إدارة العلاقات الاقتصادية إلى مناطق خطرة، وأضاف: «ما يقوم به ترمب هو إلغاء المجال اللازم لإجراء مناقشات أكثر تعقلاً». وتابع: «إن ما تفعله الولايات المتحدة هو في الحقيقة دخول في حرب تجارية، وفرض رسوم جمركية كوسيلة لإجبار الصين على إدخال سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، والطريقة التي يتبعها ترمب تعني القول: أيتها الصين، إنك لا تلتزمين بقواعد اللعبة، وسنقوم بزيادة الرسوم عليك حتى تلتزمي بالقواعد».
ومن ناحية أخرى، قال رودريك: «لفتت الصين الأنظار إلى التوترات الأساسية الناجمة عن النظام التجاري العالمي، كما لم يفعل أحد آخر، ويحتاج صانعو السياسات إلى أن يدركوا أن توقعاتهم بأن الصين ستقوم ببساطة بالالتزام بقواعد التجارة العالمية، لم تتحقق». وأضاف: «تعد الصين أوضح مثال على أن هذا التوقع غير عملي، وحيث إن اقتصادها هائل، فإنه يجعل التوتر أمراً على درجة كبرى من الأهمية».



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.