الأرجنتين... ورؤساؤها

الأرجنتين... ورؤساؤها
TT

الأرجنتين... ورؤساؤها

الأرجنتين... ورؤساؤها

نالت الأرجنتين استقلالها عن الإمبراطورية الإسبانية في عام 1810 بعد حرب طويلة، وبقيت تتعاقب عليها أنظمة مدنية ضعيفة، وأخرى راديكالية وعسكرية، في سلسلة مديدة من الاضطرابات السياسية والأزمات الاجتماعية استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين التزمت الحياد إلى أن أعلنت وقوفها بجانب الحلفاء في 27 مارس (آذار) 1945.
وفي العام التالي، انتخب الأرجنتينيون خوان دومينغو بيرون رئيساً للجمهورية، بدعم قوي من النقابات المنضوية تحت لواء حزب العمال. وتميز العهد الأول لبيرون بالدور البارز الذي لعبته إلى جانبه زوجته إيفا - الملقبة بـ«إيفيتا» (Evita) - في إرساء حركة جديدة قامت على العدالة الاجتماعية، والسيادة السياسية، والاستقلال الاقتصادي. وفي عام 1947، حصلت المرأة الأرجنتينية على كامل حقوقها السياسية، والمساواة مع الرجال في جميع الحقوق المدنية. وأصبحت جميع مراحل التعليم مجانية، بما فيها التعليم الجامعي. ولعبت مؤسسة «إيفا بيرون» دوراً رئيسياً في وضع برنامج غير مسبوق للمساعدات الاجتماعية، وتم تأميم السكك الحديدية والتجارة الخارجية، وأسست مجموعات من الشركات الكبرى للصناعات الثقيلة.
وعام 1951، أعيد انتخاب بيرون. وفي العام التالي، توفيت «إيفيتا» التي كانت تتمتع بشعبية واسعة بسبب البرامج الاجتماعية التي أشرفت عليها، ودفاعها عن حقوق المرأة. إلا أن سياسة بيرون التي استقطبت تأييداً كبيراً في الأوساط الشعبية، لاقت معارضة شديدة من القطاعات الرأسمالية المرتبطة بالمصالح الأجنبية التي كانت مهيمنة على الاقتصاد الأرجنتيني في تلك الفترة.

إطاحة بيرون
وعام 1955، قام انقلاب عسكري أطاح بيرون، وحظر الحركة البيرونية التي تعرض كثير من أنصارها للاعتقال أو الاغتيال، واضطر خوان دومينغو بيرون للخروج إلى المنفى حتى عام 1973، إلا أن الحركة البيرونية حافظت على نفوذها في الأوساط السياسية والعمالية، وظلت تفوز في معظم الانتخابات. وطوال الفترة التي امتدت منذ سقوط بيرون حتى عام 1973، كان جميع الرؤساء يضطرون للتحالف مع الحركة البيرونية للفوز في الانتخابات. وكان الاستثناء الوحيد الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1966، وأسس أول نظام ديكتاتوري دائم في أميركا اللاتينية، بدعم نشط من الولايات المتحدة، ضمن إطار الحرب الباردة التي كانت قد بلغت ذروتها في تلك الفترة.
وفي عام 1973، رُفع الحظر عن الحركة البيرونية التي فاز مرشحها الدكتور هيكتور كامبورا في الانتخابات الرئاسية. غير أن كامبورا استقال في العام نفسه، مفسحاً المجال ليعاد انتخاب خوان دومينغو بيرون رئيساً للمرة الثالثة. ولكن بيرون توفي بعد 9 أشهر من انتخابه، وخلفته زوجته (الثانية) ماريا استيلا - «إيزابيل» - التي كانت تتولى منصب نائب الرئيس.
واتسم عهد «إيزابيل» بظهور منظمة «التحالف الأرجنتيني ضد الشيوعية» التي ارتكبت، إلى جانب قوات الجيش والشرطة، مئات الاغتيالات ضد المعارضين السياسيين، وأقامت معسكرات غير شرعية للاعتقال في مناطق عدة من البلاد. ثم في عام 1976، وقع انقلاب عسكري آخر أطاح حكم «إيزابيل» بيرون، واستمر الجيش في الحكم 8 سنوات، وكان ينسق سياسته مع أنظمة عسكرية أخرى في أميركا اللاتينية، خصوصاً في تشيلي المجاورة، برعاية الولايات المتحدة، ضمن ما كان يعرف بخطة «كوندور». واتبع ذلك النظام العسكري برنامجاً منهجياً لملاحقة المعارضين السياسيين واعتقالهم وتعذيبهم وتصفيتهم أو إخفائهم.

حرب الفوكلاندز
في عام 1982، وقعت بين الأرجنتين وبريطانيا، إبان حكم مارغريت ثاتشر، «حرب الفولكلاندز» (المالفيناس بالنسبة للأرجنتينيين)، بجنوب غربي المحيط الأطلسي. وأدت هذه الحرب المتحورة حول ملكية أرخبيل الفولكلاندز إلى هزيمة سريعة ساحقة للجيش الأرجنتيني، وكانت هذه الهزيمة من أبرز أسباب سقوط الديكتاتورية العسكرية في العام التالي، وانتخاب راؤول ألفونسين رئيساً للجمهورية. ومن ثم، تقرر في عهد ألفونسين محاكمة الزمرة العسكرية التي حكمت في السنوات الثماني السابقة.
لكن ألفونسين اضطر للتنحي قبل نهاية ولايته بستة أشهر، في خضم أزمة اقتصادية طاحنة، وخلفه القيادي البيروني كارلوس منعم، الذي أطلق برنامجاً من الإصلاحات الليبرالية استطاع من خلاله ضبط التضخم خلال ولايته الأولى. لكن بعد إعادة انتخابه، غرقت الأرجنتين في أسوأ أزمة اقتصادية شهدتها خلال تاريخها.
وبعد منعم، تعاقب على الرئاسة الأرجنتينية عدد من الرؤساء لفترات قصيرة، حاولوا خلالها كبح تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار العملة، وتردي الأوضاع المعيشية، حتى انتخاب نيستور كيرشنر، مرشح الحركة البيرونية. وفي عهد كيرشنر، شهد الوضع الاقتصادي بعض التحسن، ثم خلفته زوجته كريستينا فرنانديز كيرشنر عام 2007، وأعيد انتخابها مرة ثانية، قبل أن يفوز الرئيس الحالي ماوريسيو ماكري (مرشح اليمين) في انتخابات عام 2015.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»