الجزائر: التحقيق مع مسؤول كبير من عهد بوتفليقة لارتباطه بـ«فساد»

مظاهرات عارمة للمحامين تطالب بـ«إنهاء عدالة التلفون»

جانب من مظاهرات المحامين وسط العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرات المحامين وسط العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
TT

الجزائر: التحقيق مع مسؤول كبير من عهد بوتفليقة لارتباطه بـ«فساد»

جانب من مظاهرات المحامين وسط العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
جانب من مظاهرات المحامين وسط العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)

وضع قاضي التحقيق بالمحكمة العليا في الجزائر، أمس، والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ في حالة إفراج مؤقت مع استكمال التحقيق في قضايا فساد لها صلة برجال أعمال إخوة، يوجدون في السجن، أحدهم كان وزيرا (موسى بن حمادي) في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وفي غضون ذلك، طالب عشرات المحامين في مظاهرات جابت شوارع العاصمة الجزائرية أمس بإطلاق سراح مساجين يدافعون عنهم، بحجة أنهم تعرضوا للمتابعة بسبب انخراطهم في الحراك الشعبي.
وقال قاض بـ«المحكمة» العليا، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن زوخ متهم بمنح امتيازات للإخوة بن حمادي، ملاك مجمع للصناعات الإلكترونية، تتمثل في أراض مكنتهم من إقامة منشآت صناعية. موضحا أن الإخوة بن حمادي الثلاثة المسجونين بتهم فساد «اعترفوا بتلقيهم تسهيلات في مجال الاستثمار بفضل الوالي زوخ». ومن المعروف في الأوساط الإعلامية والسياسية أن زوخ كان مقربا من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، الذي أدانه القضاء العسكري بالسجن 15 سنة الشهر الماضي. كما هو شائع أن كل رجال الأعمال الذين انتفعوا من الامتيازات، كانوا رجال بوتفليقة، وأغلبهم في السجن منذ أربعة أشهر.
وللمرة الخامسة تمنح «المحكمة العليا» زوخ الإفراج المؤقت، رغم أنه متابع في قضايا أخرى ترتبط برجال أعمال، كانوا نافذين في فترة حكم بوتفليقة، أشهرهم علي حداد ومحيي الدين طاحكوت. يشار إلى أن شقيقا رابعا من عائلة بن حمادي، يشغل منصبا برلمانيا، كان على وشك دخول السجن لولا أن البرلمان رفض التصويت لصالح طلب الحكومة رفع الحصانة البرلمانية عنه. كما يشار أيضا إلى أن رئيسين للوزراء سابقا، هما عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، وعدة وزراء سابقين يقبعون حاليا في السجن بتهم فساد.
وفي سياق الحراك الشعبي، الذي دخل الشهر التاسع، نظم المحامون أمس مظاهرة بالعاصمة، وتحديدا أمام «محكمة سيدي أمحمد»، حيث تجري محاكمات نشطاء الحراك للمطالبة بالإفراج عنهم. وقاد المظاهرة أحمد ساعي، رئيس «الاتحاد الوطني للمحامين الجزائريين»، وندد فيها المحامون بـ«خضوع القضاة لإملاءات السلطة» حول إصدار أوامر إيداع النشطاء بشكل مكثف.
وقال عبد الغني بادي، أحد أبرز المحامين المدافعين عن النشطاء، إن أكثر من 120 شخصا «سجنوا بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للسلطة». فيما قال المحامي عبد الله هبول: «نحن اليوم في الشارع للمطالبة بوضع حد لعدالة التلفون». في إشارة إلى كلام شائع داخل الأوساط الشعبية الجزائرية مفاده أن القضاة «يتلقون إملاءات بالهاتف، وعلى أساسها يصدرون الأحكام».
ومن أشهر مساجين الحراك رجل الثورة لخضر بورقعة (87 سنة)، والكاتب فضيل بومالة، وسمير بلعربي، وآخرون يعرفون بـ«قضية حاملي راية الأمازيغ». وعلى سبيل التضامن معهم، رفع بعض المحامين هذه الراية في المظاهرة. ويقع عدد كبير من المتظاهرين تحت طائلة المتابعة بتهمة الإساءة إلى الجيش وقائده الفريق أحمد قايد صالح، الراعي الشخصي للعملية السياسية في البلاد، وخاصة انتخابات الرئاسة المقررة في 12 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
من جانبه، كتب المحامي بادي بحسابه في «فيسبوك» أن «سجين الرأي فتحي دياوي مضرب عن الطعام منذ 18 يوما، رفقة رضا بوعريصة وبوالقمح. وقد فقد فتحي الكثير من وزنه، وضعفت بنيته الجسدية، وهو في عزلة عقابا له. وقد قال لي: إذا لم ترد لي كرامتي وحريتي فسأخرج من هنا جثة هامدة».
في سياق ذلك، أعلنت وزارة العدل أمس عن إجراء «حركة» في وسط القضاة، شملت 2900 قاض، تم نقل أغلبهم إلى أماكن أخرى للعمل. وبحسب مصادر من الوزارة، فقد مست عملية النقل الكبيرة قضاة بالعاصمة يمسكون بملفات معتقلي الحراك. ويمكن تفسير هذه الحركة بأنها تدل على إرادة السلطات إعادة النظر في التعامل مع هذه الملفات، يرجح بأن تكون أقل تشددا، على اعتبار أن السلطة بحاجة إلى إقناع الجزائريين بمسعى الانتخابات، ولذلك هي مجبرة على إحداث انفراج في الوضع، بحسب عدد من المتابعين للشأن المحلي.
من جهة أخرى، أكد قياديون بـ«الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» أن مدير مكتبها بوهران (غرب) النقابي، وأستاذ الجامعة قدور شويشة، اعتقل أمس بينما كان عائدا من مظاهرة بوسط المدينة. وشوهد شويشة مع رجال أمن بزي مدني، يقتادونه إلى مركز الأمن المحلي. وقال مسؤولو «الرابطة» إنهم يجهلون سبب اعتقاله، لكنهم رجحوا أن تكون مرتبطة بنشاطه الميداني بالحراك ودفاعه عن المعتقلين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.