ملك الأردن لإعلان سلسلة إصلاحات حكومية لدفع عجلة الاقتصاد والاستثمار

TT

ملك الأردن لإعلان سلسلة إصلاحات حكومية لدفع عجلة الاقتصاد والاستثمار

في منهجية جديدة لسياسة إدارة الحكم في البلاد شهدها الأردن على مدار الأشهر القليلة الماضية، ترأس العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سلسلة لقاءات مع قطاعات سياسية واقتصادية وأكاديمية وإعلامية، رسم خلالها ملامح توجهات وإصلاحات حكومية، من المقرر أن تنفذ تباعا، بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي في البلاد ودفع عجلة النمو المحلي، بعد سنوات عصيبة حاصرت بلاده إثر أزمات إقليمية.
وعلى مدى الأيام الثلاثة المنصرمة، قاد الملك عبد الله الثاني أربعة اجتماعات استثنائية أحدها لمجلس الوزراء الأردني بحضور رئيس الحكومة عمر الرزاز، تحدث فيها بخطابات حازمة وتوجيهية لأداء الحكومة وأذرعها التنفيذية، دعا فيها إلى التعجل بإصدار قرارات اقتصادية من شأنها تحرير قطاعات السوق الأردنية من قيود الضرائب والجمارك، بالإضافة لمنح إعفاءات للاستثمارات الوطنية والأجنبية.
ووضع العاهل الأردني خلال اجتماع حضرته «الشرق الأوسط» أمس الخميس، ملامح مظلة إجرائية ستنطلق الأحد المقبل، تهدف إلى تحفيز اقتصاد بلاده، وذلك عبر تبني سياسات عامة ملزمة للحكومة للتخفيف من معيقات الاستثمار المحلي والأجنبي، ومن خلال الالتزام بتلك القرارات التي تتعلق بارتفاع كلف الطاقة وضريبة المبيعات، وتفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتزامن عقد اللقاء الملكي الذي اتسم بأحاديث نقدية مرتفعة السقوف ودون مواربة في النقد والتوجيه الملكيين، مع صدور تقرير مؤشر ممارسة الأعمال لسنة 2020 الذي تعده مجموعة البنك الدولي، وأظهر تقدم الأردن بواقع 29 درجة. في أثناء ذلك، أكد الملك عبد الله الثاني خلال اللقاء، جاهزية مستثمرين سعوديين وإماراتيين وكويتيين للاستثمار في المملكة، مشددا على ضرورة التقاط القطاعات الاقتصادية والحكومة للفرص المقبلة، والاستفادة من أي مشروعات مطروحة من خلال ما توفره تلك الاستثمارات من فرص عمل وتشغيل، من شأنها أن تساهم في الحد من أرقام الفقر والبطالة، فيما لفت إلى أن مشاركته في مؤتمر تستضيفه المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل، «سيضمن فرصة لعرض إجراءاتنا فيه، والتي تشجع على الاستثمار في الأردن».
ورفض الملك الأردني الاستعجال في الحكم على نتائج القرارات الاقتصادية المرتقبة، وحذر أمام عدد من السياسيين والاقتصاديين من رفع سقف التوقعات من تلك القرارات للمواطنين، مشيرا إلى أن الأوضاع ستشهد تحسناً على مراحل وليس «في يوم وليلة».
وفي سياق استباقه لحملات التشكيك التي يطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، قال عبد الله الثاني: «رح نضل نحكي بإيجابية وسنحارب السلبية»، مشيرا إلى أن هناك من «لا يحبون الخير لبلاده من الداخل والخارج»، فيما أظهر إصراره بوضوح على تنفيذ الخطة الاقتصادية تحت شعار «محاسبة الجميع»، مشددا على قوله «بكفي»، مطالباً الإعلام بدوره في شرح إيجابيات الخطة.
من جانبه، أكد نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر، أن القرارات الاقتصادية المرتقبة جاءت ضمن 225 إجراء حكوميا، هم حصيلة جميع الخطط الاقتصادية السابقة التي لم تنفذ في السنوات الأخيرة، قائلا إنه سيصار إلى تنفيذها خلال مدد زمنية محددة ووضع معايير أداء لها.
وفي إشارة منه لأثر القرارات الاقتصادية المقبلة، أوضح الرجل الثاني في حكومة الرزاز ورئيس الفريق الاقتصادي، أن الخطة تتضمن زيادات على رواتب الموظفين في القطاع العام ستبدأ من مطلع العام الجديد 2020؛ وذلك من خلال معالجة تشوهات سلم الرواتب في نظام ديوان الخدمة المدنية، بالإضافة لوضع خطة جاهزة لدمج المؤسسات والهيئات المستقلة مع وزاراتها، ما يخفف من الفروقات في رواتب العاملين في القطاع العام.
وحملت انفعالات الملك خلال اللقاء، رسائل سياسية تعبّر عن غضبه من أداء بعض المسؤولين في البلاد لتباطؤهم في الإسراع في تنفيذ التوجيهات الملكية والسياسات الإصلاحية، في الوقت الذي أبدى تفاؤله حيال تجاوز الأردن للتحديات التي شهدها خلال السنوات الماضية، وهو ما عبّرت عنه مجموعة البنك لدولي في مؤتمر صحافي عقد بمشاركة وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة محمد العسعس، أظهر نقاط التقدم للمملكة في تقرير مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال لعام 2020.
وأحرز الأردن تقدما وفق تقرير البنك الدولي بواقع 29 درجة، ليصعد إلى المرتبة 75 من بين 190 دولة، بعد أن احتل المرتبة 104 في تقرير 2019، لتعتبر هي أكبر قفزة في ترتيب الأردن في تاريخه منذ إطلاق التقرير، بحسب ريتا رامالو المديرة في وحدة التحليل والمؤشرات العالمية في البنك الدولي.
وقالت رامالو خلال المؤتمر الصحافي: «إننا نتحدث عن سنة تاريخية للأردن»، مبينة أن الإصلاحات لتقرير 2020 في منطقة الشرق الأوسط شهدت تقدما كبيرا، وأضافت قائلة إن بعض الإصلاحات بدت أكثر «مرئية» في الأردن.
وأدرج الأردن للمرة الأولى، ضمن أفضل 3 دول على مستوى العالم تقدما في الإصلاحات في سهولة ممارسة الأعمال، بعد السعودية والكويت في العالم، وفقا لوزير التخطيط الأردني محمد العسعس.
وأجرى الأردن، جملة من الإصلاحات في ممارسة أنشطة الأعمال، من أهمها تعزيز ضمان الحقوق على الأموال المنقولة ضمن مؤشرات الحصول على الائتمان، وتعديل قانون الإعسار، وأتمتة الخدمات الحكومية ضمن مؤشر تبسيط الخدمات الضريبية وإجراء إصلاحات ضريبية. وقال العسعس خلال المؤتمر إن المرحلة المقبلة التي يسعى الأردن لعبورها، هي «الانتقال من مرحلة المنعة إلى النمو»، فيما اعتبر أن تقدم الأردن في هذا التصنيف قفزة نوعية غير مسبوقة، رغم قوله إنه «ليس راضيا وإن المنافسة في المرة المقبلة ستكون أكبر».
وشدد العسعس، في رده على تساؤلات صحافية، على أن الأردن لن يقبل بفرض برنامج جاهز «الخارج» من صندوق النقد الدولي ضمن المفاوضات التي تجري حاليا للعام المقبل، وأن الأردن سيضع البرنامج «بعيدا عن الحلول الضريبية وباتجاه الحلول التنموية».
وكشف المؤتمر عن حصول الأردن على 2.5 مليار دولار أميركي حتى منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، كمساعدات خارجية شكلت ما قيمته 1.45 مليار دولار كقروض من البنك الدولي للتنمية، و443 مليون دولار منها مخصصة لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية على شكل منح.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.