سنوات السينما: WAR AND PEACE

«حرب وسلام» حسب بوندارتشوك
«حرب وسلام» حسب بوندارتشوك
TT

سنوات السينما: WAR AND PEACE

«حرب وسلام» حسب بوندارتشوك
«حرب وسلام» حسب بوندارتشوك

WAR AND PEACE
>إخراج: سيرغي بوندارتشوك
> الاتحاد السوڤياتي (1966)
> تقييم: (تحفة)
ملحمة تولستوي المصوّرة

أحد أهم ما تم طرحه في الأسواق على نسخ Blu‪ ‬Ray هذا العام، النسخة الكاملة (سبع ساعات) من ملحمة الروسي سيرغي بوندارتشوك «حرب وسلام». يتيح هذا الطرح إعادة اكتشاف ما يعتبره نقاد أميركيون وغربيون (ناهيك عن الروس أنفسهم) أكبر ملحمة في تاريخ السينما.
هؤلاء النقاد يجمعون على أن «حرب وسلم» ليس أهم ملحمة تم اقتباسها عن رواية ليو تولستوي الضخمة فقط، بل أحد أفضل وأهم أفلام التاريخ. شركتا يانوس وكريتريون (أكثر شركات الغرب نشاطاً في استخراج كنوز السينما من معاقلها الزمنية وإعادة بثها) قامتا بترميم الفيلم والبحث عن مشاهد مفقودة وعرضها في فيلم تسجيلي مصاحب للنسخة المطروحة تحمل أيضاً مقابلتان في منتهى الأهمية، واحدة مع فيدور بندارتشوك (ابن المخرج الراحل) والأخرى مع أحد ثلاثة مديرين تصوير ذلك الفيلم وهو أناطولي بتريسكي.
يتساءل المرء هنا إذا ما كنا سنرى هذا الفيلم أصلاً لولا أن هوليوود قامت سنة 1956. بمعية الإيطالي بونتي ديلارونتيس. بإنتاج رواية تولستوي في فيلم تاريخي من إخراج كينغ ڤيدور. بعد ثلاث سنوات تم عرض هذا الفيلم في الاتحاد السوڤياتي (كما كان اسم البلاد الروسية وملحقاتها) محققاً نجاحاً تجارياً كبيراً ما جعل السلطات هناك تتساءل أين هي السينما الروسية من فكرة تحويل هذه الرواية القومية إلى فيلم روسي. تبعاً لذلك صدرت الأوامر وتم وضع كل الإمكانيات تحت تصرف المخرج الروسي بوندارتشوك الذي بدأ الإعداد سنة 1960 والتصوير في 1965 لينتهي الفيلم في سنة 1966 وليفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 1969.‬
ميزانية ذلك الفيلم المباشرة بلغت، حسب مصادر ما يوازي 9 ملايين دولار من دون حسبان عناصر الجيش الروسي (نحو 120 ألف فرد تم تجريدهم من بزّاتهم الروسية الحديثة وإلباسهم بزات القرن التاسع عشر). بوندارتشوك ينفي ذلك ويقول أن عدد الجنود الذين تم توفيرهم للفيلم لا يتجاوز 12000 جندي.
نقطة أخرى تم الخلاف عليها: مصادر روسية قالت أن الفيلم تكلف 9 ملايين دولار، كما ذكرنا، لكن مصادر غربية قالت بأن التكلفة بلغت نحو 30 مليون دولار وبعض المصادر لاحقاً (صحيفة «ذا نيويورك تايمز») رفع السعر إلى 100 مليون دولار أي إلى ما يوازي 700 مليون دولار هذه الأيام.
مهما يكن، فيلم بوندارتشوك مذهل بحجمه وعناصره الفنية. لا يتوقف الأمر عند تصاميم القصور والفترة والملابس والشعر ليسرد الجانب العاطفي من الرواية (بطلتها ناتاشا وتؤديها ليودميلا ساڤلڤا) بل بالطبع المشاهد العملاقة للجيشين الروسي والفرنسي عندما قام نابليون بونابرت مصحوباً بنحو نصف مليون مجند بغزو روسيا وصولاً إلى موسكو القرن التاسع عشر.
تصوير المعارك بفيلم بقياس 72 مم لا يترك مجالاً للشك في أن بوندارتشوك لم يرد فقط تحقيق فيلم بصري مذهل بل مناوئة ذلك الإنتاج الأميركي - الإيطالي السابق. والمقارنة بينهما مثيرة للاهتمام بدورها. كينغ ڤيدور مخرج رصين لكنه لم يستطع سوى التقاط بعض ما زخرت به الرواية من مواقف وحكايات وشخصيات على عكس نسخة بوندارتشوك التي استوعبت معظم ما ورد في الأصل.
الفيلم مذهل على الصعيد البصري بلا ريب. لكن معاينته على هذا الصعيد المهم يغطّي على حقيقة أن الفيلم يعاني من هنات درامية ولا يصعد الدرجة الأخيرة صوب التكامل. هذا مرده صعوبة العمل وتركيبة أسلوبه. وإذ خرج هذا الفيلم من طيات الحرب الباردة في الستينات، شهد تجاذباً سياسياً، لكن أحداً لم يوظف ذلك في سبيل النيل من العمل وإبهاره.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز