مشروع إيران النووي صمم منذ البداية كبرنامج عسكري

سكرتير عام مساعد بالخارجية الفرنسية يكتب عن تجربته التفاوضية

مشروع إيران النووي صمم منذ البداية كبرنامج عسكري
TT

مشروع إيران النووي صمم منذ البداية كبرنامج عسكري

مشروع إيران النووي صمم منذ البداية كبرنامج عسكري

بعد 37 عاماً قضاها في أروقة الخارجية الفرنسية متبوءاً مناصب رفيعة، يتتبع جيرارد ارود، عبر صفحات كتابه «جواز سفر دبلوماسي - 40 عاماً في خدمة الدبلوماسية الفرنسية» الصادر حديثاً عن دار النشر الفرنسية «جراسيه»، التسلسل التاريخي الطويل لملفات شائكة وهامة، مثل الملف النووي الإيراني، وملف العلاقة مع إسرائيل. والمؤلف ليس شاهداً مباشراً على هذه الملفات فحسب، بل كان عنصراً فاعلاً فيها، إذ بدأ تاريخه الوظيفي بعد عامين فقط من انتخاب الرئيس الأميركي رونالد ريجان وانتهى بعد عامين من انتخاب دونالد ترمب، أي في وقت حساس للغاية يمثل حقبة ليبرالية جديدة أساسها وقوامها البعد الاقتصادي على حساب سيادة السوق وعدم الثقة تجاه الدولة، كما أنه تدرج في العمل الدبلوماسي كسكرتير لسفارة فرنسا بتل أبيب 1982 - 1984 ومستشاراً بالسفارة الفرنسية لدى واشنطن 1987 - 1991، ثم نائب مدير الشؤون العامة بالخارجية الفرنسية 1991 - 1993، ومستشاراً لدى حلف شمال الأطلنطي عام 1995، وسفيراً لدى تل أبيب 2003 - 2006، ثم مدير عام الشؤون السياسية والأمنية، وسكرتير عام مساعد بالخارجية الفرنسية، وهي الوظيفة التي كان يتفاوض بمقتضاها باسم فرنسا في الملف النووي الإيراني، ثم ممثلاً دائماً لفرنسا لدى مجلس الأمن ورئيس البعثة الدائمة لدى الأمم المتحدة بنيويورك منذ يوليو (تموز) 2009، وهو ما أهله للتفاوض حول قرارات هامة تتعلق بإيران وليبيا وسوريا والكوت ديفوار ومالي، إلى حين تقاعده هذه السنة.
نصائح فنية
يستهل المؤلف كتابه، الواقع في 384 صفحة من القطع المتوسط، بمجموعة من النصائح للدبلوماسيين الفرنسيين الشباب، ويسجل آراءه حول الوزراء والرؤساء الذين عمل معهم على مدار تاريخه المهني. ومن منطلق خبرته كموظف رفيع المستوى معروف بالصرامة والحكمة ورفعة الذوق، يأخذ القارئ إلى كواليس الدبلوماسية الفرنسية معطياً الإحساس بأننا في قلب «آلة دبلوماسية السياسة الفرنسية» لفهم التعقيدات والعراقيل التي أحاطت ببعض القضايا والملفات الهامة، مؤكداً في هذا الفصل على أن «الهدف الأساسي من مهنة الدبلوماسي إنما تكمن في (نيل ثقة الآخر) سواء كان شخصية رسمية أم شخصية صحافية، بعيداً عن الكذب الذي ينقلب على صاحبه لاحقاً، لأن كل ما تقوله أو تتفوه به يجب أن يتمتع بالمصداقية، وضرورة الإلمام بالجوانب المختلفة من الإيجابيات والسلبيات للتأثير بها عليه خلال مراحل التفاوض لتجاوز العقبات، ما يؤدي من شأنه بعد ذلك إلى الدخول في مفاوضات جادة ومتميزة».
ملف إسرائيل
يرى المؤلف أن سياسة فرنسا تجاه إسرائيل تمثل إشكالية كبيرة للشركاء العرب، لا سيما في ضوء التقارب الواضح بين باريس وتل أبيب، خاصة مع تسلم دوميك دوفلبان حقيبة الخارجية الفرنسية في 2002 حين قرر تحسين علاقات بلاده مع تل أبيب، بعدما شهدت حُقباً عدة من التدهور، لقد سافر دوفلبان توجه إلى القدس وألقى خطاباً هاماً هناك، ووقع في خريف 2003 مع نظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم خارطة طريق حول جميع أوجه التعاون بين البلدين. ثم تسلم جيرارد ارود مهام منصبه في تل أبيب كسفير لبلاده هناك في 2003 مع تعليمات واضحة لا يكتنفها الغموض تتعلق بآليات وسبل تفعيل ودفع الاتفاقيات الثنائية، كما أنه أسس في تل أبيب مركزاً ثقافياً كبيراً، حسب التوجه العام لدى الخارجية الفرنسية لدفع العلاقات الثنائية بين البلدين دفعة نوعية.
قنبلة طهران
وحول مساعي إيران النووية، يرى جيرارد ارود أن إيران أضحت الآن قريبة جداً من الحصول على قنبلة نووية أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فمن الأهمية بمكان نزع فتيل الصراع المحتدم مع ضرورة تشديد العقوبات عليها، لافتاً إلى أن سياسة العقوبات أبطأت سياسة تطوير برنامجها النووي ولكن لم توقفه تماماً. ويذكر أنه خلال المفاوضات الأولية التي انطلقت في 2003، لم تكن إيران تمتلك سوى 160 رأساً نووياً لتحويل اليورانيوم مقابل قرابة 120 ألفاً اليوم. ومنذ 2009، ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران حصلت على معلومات كافية حول إعداد وتصنيع قنبلة ذرية قابلة للعمل.
ويشير ارود إلى أنه كان من الواضح أن المشروع النووي الإيراني صُمم منذ البداية كبرنامج عسكري وليس كبرنامج مدني «وإلا فلماذا بدأوا بتخصيب اليورانيوم بدلاً من بناء منشآت مدنية لتوليد الطاقة يدعون أنهم يريدونها لتلبية احتياجاتهم منها؟».
ويخلص المؤلف إلى أنه لا يجب التورط في اتفاق نووي مع إيران والاكتفاء بالعقوبات عليها من دون إحداث تقدم في برنامجها النووي، كما أن إيران تشكل تهديداً للعالم العربي، أولاً وليس لإسرائيل «ففي إيران، لا أحد تقريباً - باستثناء هامش راديكالي صغير - يهتم بإسرائيل». بل إن ما يهم الإيرانيين هو جيرانهم.



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟