ترودو في حاجة لاستعادة ثقة الكنديين بعد الصفعة التي تلقاها

نحو ثلاثة أرباع الناخبين صوتوا ضده

زعيم حزب المحافظين الخاسر أندريو شير في انتظار سقوط حكومة ترودو (رويترز)
زعيم حزب المحافظين الخاسر أندريو شير في انتظار سقوط حكومة ترودو (رويترز)
TT

ترودو في حاجة لاستعادة ثقة الكنديين بعد الصفعة التي تلقاها

زعيم حزب المحافظين الخاسر أندريو شير في انتظار سقوط حكومة ترودو (رويترز)
زعيم حزب المحافظين الخاسر أندريو شير في انتظار سقوط حكومة ترودو (رويترز)

«لقد تضررت قوة ترودو (جاستين ترودو، رئيس وزراء كندا زعيم الحزب الليبرالي) وستنتهي حكومته قريبا»، قال منافسه المحافظ الخاسر، أندريو شير، مضيفا: «نحن الحكومة التي تنتظر الفرصة».
تسببت المعركة الانتخابية، التي انتهت الثلاثاء بفوز جاستين ترودو، رئيس وزراء كندا زعيم الحزب الليبرالي، في الشقاق بين المواطنين في كندا، فبعد أن كان ترودو هو الذي يصبغ خريطة البلاد باللون الأحمر الليبرالي، في أعقاب فوزه الناصع عام 2015، أصبح هناك الآن الكثير من اللون الأزرق الخاص بالمحافظين، والبرتقالي الخاص بالاشتراكيين الديمقراطيين، والأزرق الفاتح لحزب الكتلة الكيبيكية، بل ومزيد من اللون الأخضر الخاص بحزب الخضر.
انعكس ذلك في فقدان الأغلبية المطلقة، ولكنه انعكس أكثر في عدد من صوتوا لغريمه شير وكان أكثر من عدد من صوتوا له على مستوى البلاد. إنها صفعة واضحة لليبراليين الذين أصبحوا الآن يعتمدون على صبر الأحزاب الصغيرة عليهم. وسيضطر ترودو لاستعادة الكثير من الثقة لدى الكنديين خلال فترة حكمه الثانية، وذلك لأن نحو ثلاثة أرباع الناخبين، على أي حال، صوتوا ضده. وأقر ترودو خلال كلمة النصر بأنه شعر بالإحباط لدى الكثير من الناخبين، ولكنه استمر في تفاؤله، وقال: «لقد قررنا اليوم الاستمرار بالدفع بكندا نحو الأمام».
جرت العادة على أن يكون الفائز في الانتخابات آخر المتحدثين، وأن يسمح بأدب، لجميع الآخرين بالتحدث قبله، ولكن لم يلتزم أحد بذلك. كانت المعركة الانتخابية حامية الوطيس، وبلا هوادة، وهكذا انتهى المساء الانتخابي أيضا. جاء تصريح ترودو في تمام الساعة الواحدة وعشر دقائق صباح يوم الثلاثاء، قبل أن ينتهي فرز جميع الأصوات في مدينة مونتريال، ولم ينته فرز جميع الدوائر الانتخابية في ثاني أكبر دول الأرض من ناحية المساحة، كندا. «لقد أُرسلنا بتفويض واضح إلى أوتاوا»، حسبما قال ترودو، الذي حصل مرة أخرى مع حزبه الليبرالي على أغلب مقاعد البرلمان، ولكنه فقد الأغلبية المطلقة.
ورغم أن الليبراليين سيظلون أصحاب القوة الأقوى في البرلمان، وفقا للنتائج الأولية التي حصلوا بموجبها على 157 مقعدا، فإنهم فقدوا أغلبية الـ170 صوتا المطلقة بشكل واضح، ناهيك عن أغلبية 180 مقعدا التي حصلوا عليها عام 2015. قال ترودو، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية في تحقيقها من أوتوا: «سيناضل فريقنا من أجل جميع الكنديين، بصرف النظر عن تصويتهم»، محاولا بذلك توحيد مواطنيه، ولكنه بدا مستريحا وبشكل خاص بنجاحه خلال هذه المعركة الانتخابية الحامية في البقاء في السلطة، وذلك رغم المعوقات الكبيرة التي اعترضت طريقه لهذا النصر؛ حيث تعرض الليبراليون لفضائح في الأشهر الماضية، ورغم تعقد حسابات الإنجازات رغم حصوله على الأغلبية المطلقة، ورغم الوعود التي لم يحققها.
ظل أندريو شير، زعيم المحافظين، شاحبا طوال فترة المعركة الانتخابية. وبدلا من أن يقدم أفكارا مقنعة انتهج استراتيجية معادية لترودو، هاجم ترودو بقسوة، بل أهانه معتبرا إياه «مخادعا»، ولكن يبدو أن ذلك لم يجد مع ما يكفي من الناخبين. ولكن ضعف شير لم يكن هو وحده السبب وراء فوز الليبراليين؛ حيث تسببت المساعدة التي قدمها رفيق شهير في صخب واسع، وذلك لأن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أعلن دعمه صراحة لترودو، وذلك قبل بضعة أيام من التصويت؛ حيث كتب أوباما على «تويتر» يقول إن العالم يحتاج «القيادة التقدمية» لترودو، وهو ما دفع ديفيد كوليتو، الباحث في استطلاعات الرأي، للتحدث عن «تأثير أوباما» محتمل. ورغم ذلك، فإن ترودو أضاع بعضا من الثقة التي اكتسبها لدى الناخب الكندي وذلك لأسباب، منها اتهامه بأنه جنب إحدى الشركات الكندية الملاحقة بتهم فساد، وبسبب صور قديمة يظهر فيها بوجه مزين باللون الداكن، ما جعله يبدو عنصريا.
كان الاشتراكيون الديمقراطيون بقيادة جاميت سينج وحزب الخضر بقيادة إليزابيث ماي، قد قالوا قبل الانتخابات بالفعل، إنهم سوف يستخدمون حكومة أقلية محتملة، ولكنها ليست غير معتادة بالنسبة لكندا، في توجيه السياسة الليبرالية ناحية اليسار. وبذلك يمكن أن يرى ترودو نفسه معرضا لمطالب لتغيير قانون الانتخاب الذي ينطوي على سلبيات، خاصة بالنسبة للأحزاب الأصغر، أو انتهاج سياسة مناخ أكثر تشددا. ومن الممكن أيضا أن يحصل حزب التكتل الكيبيكي، الإقليمي، المتعاظم، على دور أكبر من دوره الحالي. وقال نادل يعمل في مطعم بمدينة مونتريال لوكالة الأنباء الألمانية إنه ليس معجبا بنتائج الانتخابات، «فلست متأكدا من الوقت الذي سيظل عليه الوضع الحالي؛ حيث إنهم سيحلون الحكومة إذا لم يحصلوا على شيء، وسنضطر عندها للانتخاب مجددا». ولكن ربما فرحت برلين برئيس الوزراء الجديد القديم؛ حيث تعاونت الحكومة الألمانية مع حكومة ترودو على كثير من الأصعدة بشكل جيد، ليس فقط فيما يتعلق بالمناخ، بل أيضا في التجارة الحرة وتعزيز التحالفات الثنائية في عصر التعاملات الأحادية القومية. أما رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، فقال على حسابه على موقع «تويتر»، عقب الانتخابات الكندية: «هناك مكانة خاصة في قلوبنا الأوروبية لجاستين ترودو».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟