«وي ورك» أرادت إنشاء مدينة فاضلة... لكن الرياح لم تواتها

مشروع «وي ليف» لم يتخطَ حدود أول موقعين وانهارت الجهود الرامية إلى فتح مواقع جديدة

كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
TT

«وي ورك» أرادت إنشاء مدينة فاضلة... لكن الرياح لم تواتها

كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام
كان يعتقد أن مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016 سيغير العالم في الوقت الذي يعيش ظروفاً صعبة هذه الأيام

تعهدت شركة «وي ورك» العقارية الأميركية في البداية بإنشاء مدينة تحسّن بها طريقة عمل الناس، وبعد ذلك شرعت في تنفيذ مشروع «وي ليف» الذي يهدف إلى تغيير أسلوب معيشتهم. مشروع «وي ليف» هو مشروع سكني أنيق للمهنيين يستمتعون فيه بالبيرا المجانية، وبغرف الغسيل المزودة بالألعاب، بالإضافة إلى وجبات عشاء مجانية يوم الأحد، وهو المشروع المفترض أن يعمم بمختلف أنحاء العالم. لكن الواقع لم يشهد تحقيق أي من هذه الأهداف.
ما حدث هو أن مشروع «وي ليف» لم يتوسع ليتخطى حدود أول موقعين، وانهارت الجهود الرامية إلى فتح مواقع جديدة، بالإضافة إلى الإيجارات طويلة الأجل، فإن مشروع «وي ليف» بات يقدم غرفاً سكنية في موقعيه الوحيدين في نيويورك وفرجينيا، للإقامة الليلية فيما يشبه الفنادق.
تقوم السلطات بمدينة نيويورك بالتحقيق فيما إذا كانت الوحدات التي بنيت لكي تستخدم بغرض الإقامة الدائمة قد جرى الإعلان عنها بصفتها غرفاً فندقية بمشروع «وي ليف» بمانهاتن السفلى، وهي المنطقة التي وصفت ذات مرة على أنها مدينة سكنية فاضلة ذات مساحة معيشة مشتركة توفر وجبات غذاء جماعي ولقاءات اجتماعية.
وبفضل الرؤية الكاريزمية لأحد مؤسسيها، آدم نيومان، فقد خططت شركة «وي ورك» لنمو كبير أدهش المستثمرين، ودفع الشركة إلى تقييم المشروع بمبلغ 47 مليار دولار، وهو رقم ضخم لأي مشروع في بداية تشغيله. لكن هذا كله انهار في الأسابيع الأخيرة، حيث كشف اندفاعها للاكتتاب العام عن خسائر كبيرة دون وجود أي مؤشرات على تحقيق أرباح في أي وقت قريب.
يتمثل نشاط شركة «وي ورك» الرئيسي في تأجير مساحات مكتبية مصممة بشكل جذاب، لكنها توقعت في البداية أن يصبح مشروع «وي ليف» جزءاً لا يتجزأ من مستقبل الشركة، وأن يحقق مليارات الدولارات من العائدات السنوية، وأن يتوسع ليشمل أكبر مدن أميركا، لكن مشروع «وي ليف» بات انعكاساً لحال الشركة كلها الذي يمكن تلخيصه في الوعود الكبيرة والنتائج الباهتة.
وقالت المتحدثة باسم شركة «وي ورك»، جوين روكو، في بيان إن الشركة لا تزال ملتزمة بمشروع «وي ليف»، مضيفة «سنواصل العمل في مواقع (وي ليف) الحالية لنقدم تجربة معيشية استثنائية لأعضائنا في نيويورك وشمال فرجينيا».
وقد أعلنت الشركة، أن شركة أخرى تابعة، وهي مدرسة «وي غرو» ستغلق أبوابها العام المقبل، وهي المدرسة، التي افتتحت عام 2018 في حي تشيلسي بمانهاتن، برئاسة ريبيكا نيومان، زوجة نيومان.
وشأن أخواتها من الشركات الأخرى، فقد تعهد مشروع «وي غرو» بإحداث ثورة في مجالها بإنشاء مدرسة ابتدائية استثنائية وتعهدت بأن «ترفع مستوى الوعي الجماعي للعالم من خلال توسيع نطاق السعادة وإطلاق العنان للقوى الخارقة الكامنة داخل كل إنسان». ويشمل اليوم الدراسي الموضوعات الأكاديمية التقليدية، بالإضافة إلى تعليم اليوغا، ويقدم وجبات الغداء التي جرى إعدادها في كافتيريا خالية من اللحوم.
تبلغ الرسوم الدراسية للعام الحالي بمدرسة «وي غرو» التي تضم نحو 100 طالب 36 ألف دولار للأطفال في عمر 3 سنوات. وجرى افتتاح أول موقع لمشروع «وي ليف السكني» في مبنى إداري سابق مكون من 27 طابقاً في وول ستريت في ربيع عام 2016 مع المقيمين الذين وقّعوا عقود إيجار سنوية. واعتبرت الشركة المبنى أنه أرخص وأكثر ملاءمة من الخيارات الأخرى في الحي المالي بالنظر إلى وسائل الراحة المجانية وتكاليف المرافق التي تم تضمينها في الإيجار.
وقال زاك هيل (33 عاماً)، الذي انتقل إلى هناك عام 2016، إن أول المستأجرين في وحدات المبنى البالغ عددها 207 وحدات من الشباب العاملين والكثير منهم يعملون لدى شركات ناشئة.
لكن منذ نحو عام بدأت طبيعة المبنى في التغير. فقد بدأت الغرف في الظهور في مواقع حجز الفنادق، بما في ذلك مواقع «Airbnb «و«Orbitz» وبدأت الشقق الصغيرة التي تحتوي على سرير واحد قابل للطي تعرض بسعر 330 دولاراً في الليلة. وشوهدت العاملات وهن يدفعن عربات التنظيف فيما كان الضيوف يسحبون الأمتعة في المداخل، وجرت إضافة مكتب أمامي وطاولة بلاستيكية قابلة للطي مُغطاة بقطعة قماش سوداء المدخل «اللوبي». أصبح الأشخاص الذين يستخدمون المصاعد مزيجاً من السكان الذين يعرفون بعضهم بعضاً والسياح الذين يقيمون فترات الليل فقط. وقال هيل الذي يدفع 3000 دولار شهرياً لشقة من غرفة نوم واحدة، «من ضمن المشكلات المتعلقة بالطريقة التي تسوق بها هذه المساحة هي أنهم يتحدثون عنها كعيش مشترك».
لا يزال مشروع «وي ليف» السكني يقدم الكثير من الامتيازات للمقيمين مثل وجبة الغداء يوم الاثنين وفكرة «ساعة سعيدة» الترفيهية أيام الثلاثاء، ومؤخراً استضاف المبنى أمسية قدم خلالها النبيذ، وقدم حصصاً للأطفال لتعلم الرسم.
في الليالي الأخرى يجري إحضار الـ«دي جي» والسقاة إلى نادٍ بالطابق السفلي، حيث توجد حانة تحت الأرض مع أرائك مخملية ذات ألواح من خشب الجوز، حيث قُدمت عروض لمغني الراب غوتشي ماني ودي جي مارك رونسون.
ليس من الواضح كم من الوحدات المبنية والبالغ عددها 207 وحدات قد جرى تسويقها بصفتها غرفاً فندقية، فقد جرى فتح مشروع «وي ليف» وفقاً للشروط التي سمحت لها باستخدام ما يصل إلى 125 وحدة كإيجارات قصيرة الأجل، مثل غرف الفنادق، وفقاً لسجلات المدينة. ولم ترد المتحدثة باسم «وي ليف» على أسئلة حول معدل الشواغر في المبنى.
فتحت المدينة الكثير من التحقيقات في الشكاوى التي تفيد بأن بعض الشقق قد تم تحويلها بشكل غير قانوني إلى غرف فندقية. وقال روبرت باتشيلدر (33 عاماً)، الذي انتقل إلى مبنى «وي ليف» في أبريل (نيسان)، إن الجيران أخبروه بأن المكان قد شهد تغيرات في نماذج السكان على مر السنين، مضيفاً إنه قد قيل له إن المكان «كان أفضل قبل أن يصبح فندقاً، كان أشبه بالمجتمع الواحد». استطرد «إن مجرد تحويل المكان إلى فندق يجعل الناس يبتعدون عن بعضهم بعضاً».
قال الزوجان، أرزو هاسيجا ونيخيل كوكريجا، اللذان كانا على وشك المغادرة صباح الثلاثاء الماضي، إنهما حجزا شقة من غرفة نوم واحدة عن طريق موقع التسويق الإلكتروني «Airbnb» للمبيت بمدينة نيويورك لحضور حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء. وأفادت هاسيجا (26 عاماً)، أن المكان «كان لطيفاً لليلتين. لكني أحب المساحات الكبيرة؛ لذلك لا أعتقد أنني سأعيش في مكان ما مثل هذا».
لكن هذه ليست قصة الحياة التي تصورها نيومان. ووفق العرض التقديمي للمستثمرين جرى عام 2014، توقعت الشركة نمواً هائلاً في مشروع «وي ليف» خلال السنوات الأربع المقبلة، وأنه بحلول عام 2018 سيكون هناك 34000 مستأجر في «وي ليف» أو «أعضاء» جدد يحققون عائدات تفوق 600 مليون دولار - نحو ربع إيرادات الشركة الأم المتوقعة.
تضمن العرض التقييمي أكبر 25 مدينة في الولايات المتحدة، ورأى أنه إذا تمكنت «وي ليف» من اجتذاب واحد في المائة فقط من المهنيين الشباب الذين تلقوا تعليماً جامعياً إلى المدينة، فسيكون بإمكان الشركة جني ما يقرب من 2.2 مليار دولار سنوياً عائدات.
في الهند، قال أحد المطورين العقاريين، إنه دخل سوق العيش المشترك دون الحاجة إلى مشروع «وي ليف» شريكاً. وقد أعلنت الشركة عن خططها لافتتاح موقع ثالث لمشروع «وي ليف» في مبنى جديد على وشك الانتهاء في سياتل الأميركية، غير أن المتحدثة باسم مشروع «وي ورك» وكذلك المطورون المشاركون في المشروع لم يردوا على أسئلة حول ما إذا كان من المقرر افتتاحه في العام المقبل.
في الحقيقة، تضمن ملف شركة «وي ورك» الذي تألف من 383 صفحة الذي أعدته الشركة لتقديمه إلى الاكتتاب العام أسئلة دون إجابات عن جدوى المشروعات المساعدة مثل «وي ليف»، و«وي غرو»، وقالت الشركة إنها «قد لا تجني إيرادات أو تدفقات نقدية كبيرة وقد لا تكون قادرة على تحقيق ربحية في المستقبل المنظور».
مع عزل نيومان، أحد مؤسسي الشركة، خسر مشروع «وي ليف» أكبر نصير متحمس له. وعلى مر السنين، كان يروي نيومان كيف تصور لأول مرة فكرة العيش المشترك عندما كان طالباً في كلية إدارة الأعمال في كلية «باروخ» في أوائل العقد الأول من القرن العشرين.
وقال سكوت جالواي، المحلل التجاري وأستاذ التسويق في كلية «شتيرن» لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، إن فرص «وي ليف» الآن للبقاء ضئيلة رغم عروضها الحماسية في البداية. وقال غالاوي: «أراهن أن موقع (وي ليف) رائع للجميع باستثناء المساهمين وباستثنائنا نحن. كان هناك نقص كبير تام في الضوابط الداخلية. أين كانت الأسئلة الأساسية لمجلس الإدارة مثل (لماذا قمنا بمشروع وي ليف؟)».
إن حالة عدم اليقين بشأن «وي ليف» جاءت مع ازدهار وتوسيع شركات العيش المشترك الأخرى. إن شركة «ذا كوبيكتيف» ومقرها لندن تخطط لبناء مبنى للعيش المشترك في بروكلين، في حين أن هناك شركة أخرى باسم «كومون» لديها أكثر من 12 ألف سرير قيد التطوير في مدن متعددة، بما في ذلك مبنى مكون من 600 وحدة في ميامي.
وقال براد هارجريفز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «كومون»، إن «هناك طلباً كبيراً. لقد تمثل التحدي دائماً في العرض (وليس في الطلب)»، خلال حفل افتتاح بمبني مشروع «وي ليف» في مانهاتن السفلى عام 2016، تحدث نيومان بحماس عن نموذج العيش المشترك. وأن مشروع «وي ليف» سوف يغير العالم، وذكر أن عائلته سوف تنتقل للعيش هناك، لكن زوجته التي كانت حاضرة حينها ردت قائلة: «لا». وكان من بين الحاضرين نيكولاس لولي، الذي كان يدير شركته الناشئة في ذلك الوقت وكان يعمل بموقع خارج مشروع «وي ورك» ودعاه أحد الموظفين حضور الحدث، وحضر وانتقل للعيش بالمشروع السكني.
قال لولي (28 عاماً)، «لقد قدموا لي عرضاً رائعاً». «كان السعر الذي عرضوه مقارنة بالمساحة التي حصلنا عليها أقل بكثير مما دفعناه في أي مكان آخر». انتقل لولي إلى شقة من غرفة نوم واحدة في يوليو (تموز) 2016، وقال إن الاختلافات بين مبنى «وي ليف» وأي مبنى سكني نموذجي في مدينة نيويورك كانت واضحة. الوحدة التي شاركها مع زوجته، مفروشة بالكامل بالديكورات الحديثة. وقال لولي إنها تحتوي أيضاً على غرفة نوم ثانية لا يحتاجون إليها، لذلك وافقت «وي ليف» على تحويلها إلى مساحة مكتبية.
لقد دفعوا دفعة مقدمة بقيمة أقل من شهر كوديعة تأمين، مقارنة بإيداع شهرين الذي كان شائعاً في الشقق في ذلك الوقت. يمكن دفع الإيجار الشهري من بطاقة الائتمان، وهو ما فعله لولي لجمع نقاط السفر. تم بالفعل إعداد شبكة «واي فاي» ووسائل الراحة التقنية الأخرى قبل انتقاله.
وقال لولي إنه كان يجري تقديم العشاء في ليالي الأحد، وغالباً ما تكون أطباق صينية أو إيطالية أو مكسيكية ليتمكن السكان من تناول الطعام في غرف الصالة بشكل جماعي. وأضاف لولي الذي يعيش الآن في ليما بيرو: «كان الجو رائعاً». «لكن كل هذه الأشياء تكلف المال».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»