أفرزت العملية العسكرية التركية التي بدأت في 9 من الشهر الحالي واقعاً عسكرياً جديداً وحدود تماس مختلفة في منطقة شرق الفرات، إذ باتت تنتشر في شمال شرقي سوريا ثلاثة جيوش دولية على النقيض في الحرب الدائرة في سوريا؛ وأربع جهات عسكرية متحاربة. غير أن العملية غيرت خريطة الخصوم والحلفاء في هذه البقعة الجغرافية من بلد مزقته نيران الحروب، ما دفع بأكراد الشمال إلى فتح خط للحوار مع النظام.
وبسط الجيش التركي وفصائل سورية موالية عاملة في «الجيش الوطني»، سيطرته على مدينتي رأس العين (سري كاني)، حسب تسميتها الكردية والتابعة لمحافظة الحسكة، وعلى تل أبيض وتتبع مدينة الرقة، والأراضي الممتدة بينهما بطول 120 كيلومتراً وبعمق يصل في بعض المناطق إلى 30 كيلومتراً يصل إلى الطريق الدولية (M4)، وبات هذا الجيب المحاذي لتركيا معزولاً عن عمقه السوري. هذا فيما بدأت الشرطة العسكرية الروسية والقوات الموالية للأسد التي وصلت إلى مطار القامشلي، قبل يومين، وباتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية»، الانتشار على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وتسيير دوريات بدءاً من مدينة ديريك الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، إلى مدينة عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، واستكمال انتشارها في مدينة منبج غرب الفرات، لإحباط محاولات الرئيس التركي إردوغان فرض منطقة آمنة على طول الحدود.
وبقي عدد قليل مع الجنود الأميركيين في شرق الفرات لحماية حقول النفط في مدينة دير الزور، ولدعم الجهود العسكرية والأمنية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» العربية - الكردية في محاربة الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي، وحراسة عناصره المحتجزين في سجون الإدارة الكردية.
وعمت المدن والبلدات الحدودية احتجاجات غاضبة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سحب المزيد من الجنود الأميركيين، ونشر نشطاء وإعلاميون صوراً ومقاطع تظهر اعتراض مواطنين، المركبات الأميركية، عند انسحابها إلى قاعدتها في العراق، وأظهر مقطع فيديو كيف أن رجلاً استلقى أمام مدرعة أميركية ما أجبر سائقها على التوقف، حتى قام آخرون بسحبه، وأكملت طريقها، في رسالة على خيانة الحلفاء للأكراد الذين ساعدوا الولايات المتحدة لسنوات بالقضاء على خطر تنظيم «داعش».
ويرى الدكتور شوقي محمد الخبير في اقتصادات الطاقة والنفط، أنه «يمكن القول بأن التفوق النوعي يجعل من الإدارة الأميركية الأكثر قدرة على التحكم في سير الأحداث والضغط على باقي الأطراف، وتعد صمام الأمان لهذه المنطقة، فمن جهة رسالة قوية للحكومة السورية وحلفائها إيران وروسيا، بأن انسحابها سمح للقوات التركية وفصائل موالية من (الجيش الحر) بدخول المنطقة، وفي الوقت نفسه رسالة للجانب التركي بأن وجودها يعني عدم قدرة الجيش السوري على السيطرة على المنطقة التي انسحب منها أواخر 2012، وهو يعود اليوم باتفاق مع الأكراد».
وأوضح الأكاديمي أنّ الحل الأمثل هو الاستمرار بالتفاوض بين الأحزاب الكردية والحكومة السورية، برعاية دولية، خصوصاً روسيا، لعلاقاتها المتميزة مع دمشق، وبناء أرضية سليمة للتفاوض «عبر رسائل ثقة والتعامل بمبدأ الوطنية لا العقلية الأمنية أو العروبية»، مشيراً إلى أنّ وثائق وأدبيات حزب «الاتحاد الديمقراطي» والإدارة الذاتية لم تشر إلى الانفصال. فلطالما كرَّر مسؤولوها حرصهم على وحدة الأراضي السورية، والتمسك بالحوار السوري - السوري، «فضلاً عن أن الأكراد لا يجدون أنفسهم خارج حدود الوطن»، واعتبر أن أي اتفاق بين الإدارة الكردية والحكومة السورية سيخدم الطرفين «لحماية (قسد) من الهجوم التركي بعد اجتياح المنطقة واستعادة المناطق التي خسرتها، كما سيخدم الحكومة السورية من خلال عودتها للمنطقة الثرية والغنية بالموارد، وبسط سيطرتها على الثروات المائية والحقول النفطية».
وكشفت مصادر مطلعة عن جهود لتشكيل وفد يضم جميع الأحزاب الكردية السورية في القامشلي، بغية التوجه إلى دمشق بهدف إجراء مفاوضات شاملة، ورجحت تلك المصادر عدم مشاركة أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المعارض.
وكشف العضو البارز في المكتب السياسي لـ«الحزب الديمقراطي التقدمي» الكردي أحمد سليمان، أن قادة حزبه أجروا لقاءات مع القيادات السورية بعد الهجوم التركي بهدف التوصل إلى تفاهم «للحد من الاحتلال التركي، وعدم اتساع نطاقه، ولوقف عمليات نزوح المدنيين، والمساهمة بشكل إيجابي في الدفع نحو تفاهمات تضمن حقوق الأكراد»، منوهاً بأن أي اتفاق سيكون برعاية روسية «فالاتفاق على انتشار الجيش، وعودة مؤسسات الدولة، والحلول السياسية، كلها قضايا ترعاها موسكو، وتلعب دور الضامن، وتعمل على توفير أجواء إيجابية بين المفاوضين الكرد والحكومة السورية».
أكراد سوريا يدعون للتفاوض مع النظام برعاية روسية
صور ومقاطع تُظهر اعتراض أفراد المركبات الأميركية عند انسحابها
أكراد سوريا يدعون للتفاوض مع النظام برعاية روسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة