وزيرة الدفاع الألمانية تربك حلفاءها باقتراح منطقة آمنة في سوريا

TT

وزيرة الدفاع الألمانية تربك حلفاءها باقتراح منطقة آمنة في سوريا

فاجأ حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا شريكيه في الحكومة باقتراح تقدمت به وزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنباور لإنشاء منطقة آمنة في سوريا برعاية دولية. وقالت كرامب كارنباور إنها اتفقت مع المستشارة أنجيلا ميركل على عرض الاقتراح على دول حلف شمالي الأطلسي خلال اجتماع يعقد غدا في بروكسل على مدى يومين.
ويتضمن الاقتراح الألماني بحسب وزيرة الدفاع، مشاركة فرنسا وبريطانيا إضافة إلى تركيا وروسيا بالقوة الدولية التي تسعى لحشد تأييد حولها للانتشار في شمال سوريا. ورغم أن كرامب كارنباور تحدثت عن دور للناتو في القوة المقترحة، فإنها لم تأت على ذكر الولايات المتحدة التي سحبت جنودها من الشريط الحدودي مع بداية العملية التركية.
وبدت الخارجية الألمانية التي يرأسها هايكو ماس المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، متفاجئة باقتراح وزيرة الدفاع وقالت إن هناك حاجة للتشاور حول الفكرة. وقال هايكو ماس إن «الأمر الأساسي الآن هو الحرص على وقف العملية العسكرية بعد أن ينتهي وقف إطلاق النار وأن يكون هناك حل سياسي». وأضاف في تصريحات لاحقة «تلقينا الكثير من الأسئلة من شركائنا حول الاقتراح الذي تقدم به حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وهناك بعض الانزعاج من قبل شركائنا». وأضاف أنه ليست هناك نقاشات في الوقت الحالي بين الأفرقاء الدوليين على إنشاء منطقة آمنة بحماية دولية.
وكان ماس قد وصف العملية التركية بأنها «غزو» لسوريا وأنها تعارض القانون الدولي، ولكنه لم يتحدث عن أي خطوات لألمانيا لمواجهة تركيا في هذا الشأن.
ونفى المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الذي يتولى شؤون الدفاع، أن يكون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قد تشاور معه بالفكرة، وقال فريتز فلغنترو في تصريحات صحافية إنه تفاجأ بالاقتراح، مضيفا «لم يتم الاتفاق معنا حول الموضوع، وأيضا لدي الكثير من الأسئلة حول السياق… نحن نشعر بالريبة من هذا الاقتراح». وشدد على ضرورة تقديم اقتراحات «واقعية»، مضيفا أنه يرفض أن يحدد «وزير واحد» السياسات الدولية للحكومة الألمانية. وكذلك بدا متفاجئا بالاقتراح ماركوس زودر الذي يرأس الحزب المسيحي البافاري المشارك في الحكومة ويمثله وزير الداخلية هورست زيهوفر. وقال زودر إنه سمع بالاقتراح للمرة الأولى من خلال وسائل الإعلام.
وبررت كارنباور اقتراحها بأن ألمانيا وأوروبا تصرفتا حتى الآن مع الأزمة التركية في سوريا من موقف «المتفرج» رغم أن الأزمة السورية «تؤثر بشكل كبير على أمن أوروبا وألمانيا». ويتضمن اقتراح وزيرة الدفاع برنامج إعادة إعمار لإسكان النازحين، ورغم أن ألمانيا لطالما عارضت الدعوات الروسية لإعادة الإعمار قبل التوصل لاتفاق سياسي في سوريا. وعن هذا الأمر، قالت كارنباور لقناة «زد دي إف» إن إنشاء منطقة آمنة برعاية دولية «مهم لاستمرار القتال ضد (داعش)، ولكن أيضا لإعادة البناء كي يتمكن الناس من العودة إلى وطنهم».
وعبر المحامي والناشط السوري المقيم في برلين أنور البني عن رفضه لإعادة بناء يطال فقط شمال سوريا، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا «سيكون خطأ كبيرا وخطوة سيئة». وأضاف «فكرة إنشاء مناطق آمنة جيدة ونحن نؤيدها ولكن على أن تشمل كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بما فيها شمال شرقي سوريا وإدلب وشمال حماة والرقة ودير الزور ودرعا». ورأى البني أن اقتصار المناطق الآمنة على «مناطق انتشار الأكراد فقط سيؤدي إلى شرخ طائفي في سوريا ويعزز الفكر الإرهابي».
وفي السابق، رفضت الحكومة الألمانية طلب واشنطن بإنشاء قوة دولية تنتشر على المنطقة الأمن وتسمح للجنود الأميركيين بالانسحاب منها. وفيما يميل حزب ميركل لتأييد هكذا عمليات، يرفض الحزب الاشتراكي توسيع عمليات الجيش الألماني في الخارج، ما قد يمثل عقبة رئيسية أمام تطبيق فكرة وزيرة الدفاع. فالاقتراح قد يؤدي إلى نشر قوات من الجيش الألماني في سوريا، وهو أمر من المستبعد على يحصل على تأييد الحزب الاشتراكي. وعلى أي حال فإن نشر أي قوات ألمانية في الخارج سيتطلب موافقة البرلمان الألماني الذي قد لا يمرر القرار، علما بأن أحزابا من المعارضة مثل الليبراليين والخضر، أيدت الاقتراح.
وكان عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان النائب رودريش كيستفتر قد تحدث عن الحاجة إلى عدد جنود أوروبيين يتراوح بين 30 ألفا و40 ألفا للانتشار في المنطقة الآمنة. ولم تتحدث وزيرة الدفاع بوضوح عن نشر جنود ألمان، واكتفت بالإشارة إلى أن ذلك سيتطلب موافقة البرلمان، ما يعني أن ألمانيا قد تستعيض عن مشاركتها العسكرية التي تعتبر صعبة للغاية لأسباب تاريخية، بمشاركة مدنية للمساعدة على إعمار المنطقة الآمنة لإعادة النازحين إليها.
وتعد هذه المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تقدم فيها ألمانيا اقتراحا للمشاركة بقوة عسكرية خارج أراضيها، وهو ما قرأته بعض الصحف بأنه قد يكون بداية سياسة ألمانية دفاعية وخارجية جديدة، أو أنه قد يؤدي إلى إنهاء مسيرة وزيرة الدفاع التي ترأس أيضا حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي.
وقال كريستيان هانلت الخبير في معهد برتلسمان لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات كرامب كارنباور قد تكون جاءت في هذا الوقت قبيل اجتماع للناتو «لأن ألمانيا تشعر بأن عليها تقديم شيء ما للحلف أمام الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها لجهة زيادة مساهمتها وإنفاقها العسكري». وأضاف أنه «لا يجب المبالغة بقراءة طرح وزيرة الدفاع». ويرى البعض أن كرامب كارنباور تحاول إثبات نفسها في المنصب الجديد خاصة أن الإعلان جاء بمناسبة 100 يوم على تسلمها الوزارة.
وتشارك ألمانيا عادة بمهمات خارجية ولكن ليس عبر قوات قتالية بل بتدريب ومعدات وطلعات جوية، مثل مهماتها في العراق وأفغانستان ومالي وفي السابق في كوسوفو. وترتبط مشاركتها بالحصول على غطاء دولي بقرار من مجلس الأمن، وأيضا بموافقة البرلمان الألماني.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».