شجرة عمرها قرن تتحول لمعلم رئيسي في الشيخ زويد المصرية

زرعها الإنجليز في أثناء احتلالهم

شجرة الكينيا في الشيخ زويد (الشرق الأوسط)
شجرة الكينيا في الشيخ زويد (الشرق الأوسط)
TT

شجرة عمرها قرن تتحول لمعلم رئيسي في الشيخ زويد المصرية

شجرة الكينيا في الشيخ زويد (الشرق الأوسط)
شجرة الكينيا في الشيخ زويد (الشرق الأوسط)

مع مرور السنين تصبح المباني والأشجار المعمرة جزءاً من الذكريات التي يُحتفى بها ويصعب سقوطها بالتقادم، وفي مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، تستحوذ شجرة «كينيا» عتيقة، زرعها الإنجليز في أثناء احتلالهم لمصر في بدايات القرن الماضي، على درجة كبيرة من اهتمام سكان مدينة الشيخ زويد حالياً، وباتت أيقونة ومعلماً رئيسياً من معالم المدينة التي تطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط في محافظة شمال سيناء (شمال شرقي القاهرة).
مروان أبو فردة، محامٍ من سكان مدينة الشيخ زويد، يروي لـ«الشرق الأوسط» تاريخ الشجرة قائلاً: إنّ «شجرة الكينيا الحالية كانت ضمن مجموعة أشجار غرسها الإنجليز في أثناء احتلالهم لمصر بجوار خط السكك الحديدية الممتد من قناة السويس حتى الشام مروراً بساحل شمال سيناء». مضيفاً أنّ «هذه الشجرة كانت واحدة من الأشجار العملاقة التي كان يتم رصدها من مسافات بعيدة، ومع مرور الوقت تراجعت أعداد تلك الأشجار، ورغبة الأهالي في قطع أغصانها بغرض التدفئة والطهي، حتى بقيت منها جميعاً شجرة وحيدة باتت أيقونة للمدينة تذكّرهم بالعهود السابقة، وسط شارع السوق المارّ في قلب مدينة الشيخ زويد».
وتعاني مدينة الشيخ زويد من وقوع أعمال إرهابية ترتكبها تنظيمات متطرفة منذ عام 2011 حتى الآن، ما اضطر عدداً كبيراً من الأهالي إلى ترك منازلهم والسكن في مدن أخرى.
ويشير مصطفى القيم، أحد سكان مدينة الشيخ زويد، إلى أنّه «عندما كان العمل يجري من قِبل مجلس مدينة الشيخ زويد لإعادة رصف شارع السوق الذي تقع شجرة الكينيا في نهايته من جهة الغرب، حاولت السلطات المحلية إزالتها، إلا أن الأهالي تصدوا لتلك المحاولة أو الاقتراب منها وأصروا على أن تبقى ويكون حولها ميدان، وبقيت الشجرة في مكانها وظلت صامدة مع أهالي مدينة الشيخ زويد وشاهدة على الأحداث كافة التي مرت وتوالت عليها، وعلامة التقاء للوافدين والمسافرين من وإلى الشيخ زويد.
ويلحظ زائر مدينة الشيخ زويد أنّ هذه الشجرة الاستثنائية باتت مهمة في حياة سكان المدينة بعدما اتخذ سائقو سيارات الأجرة من موقعها مكاناً ثابتاً لتجمعهم، كما طُليت جذوعها بألوان علم مصر الثلاثة، ويرى الأهالي أنّ شجرة الكينيا أصبحت رمزاً لمدينتهم، بفضل عمرها الطويل.
محمد الحمايدة، رجل سبعيني، من سكان حي الحمايدة وسط مدينة الشيخ زويد، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «وُلدت ونشأت في الشيخ زويد وأتذكر عندما كنت طفلاً كان والدي وأقاربي يجلسون في فترة الصباح وما بعد العصر تحت ظل شجرة الكينيا التي يقدر عمرها بنحو 100 عام». مشيراً إلى «أنّ هذه الشجرة عاصرت فترة الاحتلال الإنجليزي وفترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء».
وفي بدايات ومنتصف القرن الماضي كان يتجمع سكان المدينة بجوار هذه الشجرة لتناقل الأخبار في ظل عدم وجود الهواتف الأرضية والمحمولة، نظراً إلى موقعها المتميز في منتصف الطريق ما بين رفح والعريش. وفق الحمايدة.
من جهته يقول إيهاب بكير سكرتير مجلس مدينة العريش، لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «مجلس مدينة الشيخ زويد يعدّ هذه الشجرة أحد أهم معالم المدينة، حيث استجيب لرغبة الأهالي في الإبقاء عليها بعد محاولة إزالتها لتوسعة الشارع ورصفه».
فيما يؤكد المهندس الزراعي قاسم عاشور، أنّ شجرة الكينيا المعروفة بنبتة الكافور تعد من الأشجار الحرجية المعمّرة، وهي من الأشجار التي تنتشر زراعتها في المناطق المعتدلة، وهي دائمة الخضرة وقد يصل طولها إلى 60 متراً.
ويشير عاشور إلى أنّ لأوراقها فوائد طبية كثيرة، توازي أهميتها المكانية والتاريخية لدى السكان، إذ تستخدم أوراقها لعلاج الحروق وجروح اللثة، كما أنّها تحتوي على مجموعة من المواد الفعّالة التي تفيد في علاج العديد من الأمراض.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».