صالات السينما في السعودية ... أفلام متباينة وأساليب سرد مختلفة

ولد ملكاً استأثر باهتمام السعوديين... ومنافسة بين «حرب» الهندي وفيلمي «رامبو: آخر دم» و«جيميناي مان»

لقطة من فيلم «ولد ملكاً»
لقطة من فيلم «ولد ملكاً»
TT

صالات السينما في السعودية ... أفلام متباينة وأساليب سرد مختلفة

لقطة من فيلم «ولد ملكاً»
لقطة من فيلم «ولد ملكاً»

تزداد العروض، أسبوعاً بعد آخر، في مولات المدن السعودية عربية وهندية و- بالطبع - أميركية. بتكاثرها تتنوّع المواضيع المطروحة وتصنيفات الأفلام من الفانتازيا، بشقيها المرح والداكن، إلى الأفلام الدراما والسير الشخصية مروراً بأفلام الخيال العلمي والأكشن والكوميديا.
عملياً، كل فيلم معروض في منطقة الخليج وحول العالم معروض في صالات المملكة مع استثناء أن المدن في أوروبا والولايات المتحدة وجنوب شرقي آسيا تحتوي على صالات خاصة لعرض أفلام ذات اهتمامات فنية في المقام الأول. أمر لا بد أن يجد طريقه لا إلى صالات المملكة فقط، بل إلى صالات دول الخليج كافة على غرار الصالات المتخصصة في دبي والقاهرة وعمّان وبيروت وتونس.

«بوزات» لتخويف الأطفال
بالطبع لا يمكن الاستغناء عن التلوين الترفيهي المتمثل في أفلام مثل «خيال المآتة» و«الطيب والشرس واللعوب» الآتيان من نتاجات السينما المصرية، و«جوكر» و«جكسي» و«أد أسترا» و«ماليفسنت: عشيقة الشيطان» و«جيميناي مان» وكلها (وسواها) هوليوودية المنشأ والهوى.
في الوسط، هذا الأسبوع، هناك فيلم هندي من بطولة فاني كابور وأنيل جورج بعنوان «حرب». إذا ما شاهدته خلت نفسك أمام فيلم هوليوودي قائم على الحبكة المعهودة حول المهمة المستحيلة في مطلع الفيلم، نصف المنجزة في الفصل الثاني والمنجزة بنجاح كبير في النهاية.
يدور حول الجندي الذي تلقى أمراً بتصفية قائده. هل هذا اقتباس مبطن من «سفر الرؤيا»؟ ليس بالضرورة مع تشابه المنطلقات، بل هو أقرب إلى جملة من الأفلام الأميركية التي يتصدّى فيها مقاتل إما لزمرته السابقة أو لرئيسه أو لأي عدو من داخل أو خارج الحدود. المسألة ليست في القصّة (كون القصص متشابهة كما كانت حكايات توم أند جيري)، لكن في أن أسلوب وصياغة ومعالجة الفيلم سردياً يفرض عليك التفكير بالمعالجات الهوليوودية من حركات كاميرا إلى حوارات تلغرافية إلى تمثيل رديء بعضلات منفوخة و«بوزات» تصلح لتخويف الأطفال.
أحداثه تشمل طائرات وقطارات وسيارات ودراجات نارية ومواقع تصويره تنتقل من مومباي إلى لشبونة فستوكهولم وفينيسيا ومدن فنلندية وسلوفانية وليتوانية وبل حتى أميركية (مدينتي بورتلاند ولوس أنجليس).
هذا النوع من الإخراج المتفاني في التقليد بكلفة عالية ما زال هندياً سواء بالإكثار من التوابل أو من ساعات العرض (نحو 3 ساعات مضنية). أما «اللوك» بأسره وطريقة معالجته مع فواصله الموسيقية فبتنا، منذ سنوات، نجدها في أفلام طارق العريان وشريف عرفة وآخرين من أبناء السينما المصرية.
كل هذا بعيداً عن روح المكان والمجتمع، مما يجعل المرء يحن إلى تلك الأعمال المتواضعة في الألعاب التقنية والعالية في طموحاتها الفنية والاجتماعية.
«حرب» يلتقي حالياً بفيلمي «رامبو: آخر دم» و«جيميناي مان» المعروضين في صالات المملكة. الأول عن رامبو وقد انتقل العدو إلى حدوده (مما جعل البعض يرى في الفيلم تأييداً لموقف ترمب المعلن حول الحدود مع المكسيك)، والثاني عن المقاتل الفريد من نوعه (ول سميث) وقد بات محتماً عليه منازلة مقاتل آخر فريد من نوعه. كيف لا وهو سينازل نفسه؟

حكاية ثانية
أحد الأفلام المستأثرة باهتمام المشاهد السعودي هذه الأيام هو «وُلد ملكاً»، سيرة حياة لمراحل من شخصية الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز عندما كان لا يزال أميراً في الحادية عشرة من عمره عندما أُرسل للاشتراك في المفاوضات الدائرة في لندن حول مستقبل البلاد سنة 1919.
الإسباني أغوستي فيلانرونغا يستثمر تمويلاً بريطانياً لتقديم عمل جاد وإيجابي النبرة حول الأمير فيصل وحول الفترة والشخصيات البريطانية التي التقى الأمير بها (فيلبي، تشرشل، الأميرة ماري). كل شيء، كما يقول المخرج في تعريفه للفيلم، مأخوذ بـ«رغبة المحافظة بأمانة على ذلك الجزء من التاريخ وتسليط الضوء على أصغر شخصية دبلوماسية في التاريخ».
هذا الفيلم هو التاريخي الوحيد فيما هو معروض من أفلام رئيسية حول العالم حالياً. باقي العروض تتماوج بشدّة مع ميل للفانتازيا والأكشن والرعب.
‫في النطاق الأخير يتقدم فيلم «زومبيلاند: ضغط مزدوج» (Zombieland: Double Tap) على ما عداه. ‬
هذا هو الجزء الثاني من الحكاية التي كان المخرج روبين فلايشر قدّمها قبل عشر سنوات بنجاح. الممثلون أنفسهم (وودي هارلسون، إيما ستون، جيسي آيزنبيرغ، لوك ولسون) مع إضافة عدد آخر بينهم روزاريو دوسون.
الفيلم ما زال نكتة داكنة أكثر منه فيلم رعب فعلي. السبب هو أن كلما كان هناك ضحية من الزومبيز أصر الفيلم على التنكيت عليها والسخرية منها. هذا لجانب أن الفيلم لا يفتقر إلى المرح المختلط بمواقف من الوحوش البشرية وهي تحاول الانقضاض على أبطال الفيلم (ربما لم تقرأ السيناريو الذي يصر على أن أبطال الفيلم يجب أن يبقوا أحياء لاستثمارهم في جزء لاحق).
الرعب الجاد متمثل في «عد تنازلي»، لكنّه ليس رعب أشباح وآكلي لحوم بشرية، بل أكثر جدية لأنه يتعامل مع حبكة مفادها أن الممرضة الشابة كورتني (إليزابيث ليل) تستقبل ملفاً على هاتفها يخبرها متى ستموت. تكتشف أن لديها يومين فقط لتعيش لكن هناك أمل في أن تستطيع محاربة هذا الوضع الناتج، في المضمون التحتي للفيلم، عن انصياع الناس لمنجزات التكنولوجيا من دون عناية أو حذر.
الخطر محدق كذلك ببطلة فيلم «سويتهارت» ليس من الزومبي وليس من المبتكرات التكنولوجية بل من قوى خارجية لا تعلم بها.
حكايتها مثيرة للاهتمام وجديدة: بطلة الفيلم فتاة شابة تجد نفسها فوق جزيرة صغيرة بعدما نجت من كارثة غرق. في البداية تعتقد أنها وحيدة تماماً فوق هذه الجزيرة الاستوائية، لكنها سريعاً ما تدرك أن هناك وحشاً يخرج من البحر ينوي بها شراً.

تارنتينو للواجهة من جديد
خلال كل ذلك يعاود المخرج كونتِن تارنتينو الإطلال من جديد. ليس لأنّه أنجز فيلماً آخر يتحدث فيه عن هوليوود الخمسينات هذه المرّة، بل لأن فيلمه الأخير «ذات مرّة في هوليوود» ووجه بقرار منع صيني لم يكن المخرج الأميركي الشهير ينتظره.
سبب المنع يعود إلى رسالة احتجاج بعثت بها شيرين لي للسلطات الصينية تشكو فيها من الطريقة التي قُدّم بها والدها، الممثل الراحل بروس لي، في فيلم تارنتينو. كانت لاحظت، وكل من شاهد الفيلم، الصورة الكاريكاتيرية التي قدّمها المخرج لأبيها في ذلك الفصل من المشاهد الذي نرى فيه بروس (عبر ممثل آخر) يغالي في تقدير نفسه ويتحدى براد بيت بقدراته الرياضية لكن بيت يتغلب عليه سريعاً.
في الواقع، الشخصية الوحيدة التي عولجت بهذا التحامل وذلك الرسم الكاريكاتيري في فيلم تارنتينو كانت شخصية بروس لي. باقي الشخصيات (بيضاء تماماً) كانت أكثر إنسانية وجدية وإثارة للاهتمام.
رسالة شيرين لي للمسؤولين الصينيين جعلتهم يستجيبون لاحتجاجها ويصدرون قراراً لازماً بمنع الفيلم من العرض المقرر له يوم الجمعة المقبل (الخامس والعشرين من الشهر الحالي) ولأجل غير محدود إلا إذا تم حذف ذلك الفصل من المشاهد (نحو خمس دقائق).
صوني المموّلة والشركة الصينية الموزعة (بونا) تدخلتا لإقناع تارنتينو بحذف المشاهد المطلوبة، لكن المخرج رفض يوم أول من أمس (الجمعة) هذا الطلب، وأصر على موقفه: «إما عرض الفيلم كاملاً وإلا لا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».