«الصحافة الرقمية» على أجندة مناقشات «مسك للإعلام» في القاهرة

TT

«الصحافة الرقمية» على أجندة مناقشات «مسك للإعلام» في القاهرة

تفرض التحولات الذكية في صناعة الإعلام تغيرات ملموسة في آليات العمل داخل المؤسسات الصحافية والتلفزيونية ووكالات الأنباء، وهو ما سوف يركز عليه «منتدى مسك للإعلام»، في دورته المنتظر عقدها بالقاهرة يوم السبت المقبل، الذي يحط رحالة لأول مرة بالعاصمة المصرية.
وتغطي جلسات المنتدى الذي يحمل شعار «التحولات الذكية في صناعة الإعلام» القضايا الملحة كافة التي تتعرض لها الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية، بمشاركة نخبة من الإعلاميين في العالم العربي، إلى جانب مشاركة تجارب وخبرات عدد من الفاعلين في المشهد الإعلامي العالمي.
ومن بين الجلسات التي يتضمنها «مسك للإعلام» جلسة حول «الصحافة الرقمية وصناعة المستقبل»، وتناقش مستقبل الإعلام في عصر الصحافة الرقمية، وتطرح عدة تساؤلات بهدف الخروج بتوصيات ومحددات للعمل الإعلامي في المستقبل، ومنها: هل المؤسسات الصحافية ستعيد صياغة هيكلتها لدخول عالم الذكاء الصحافي؟ وهل نحتاج إلى إدارة تغيير حتى نسرع التحول الذكي؟ وهل غاب الصحافيون المبدعون عن المشهد المتسارع؟
وتدير الجلسة الإعلامية الأردنية منتهى الرمحي، المذيعة بقناة «العربية»، ويشارك فيها الكاتب الصحافي السعودي موفق النويصر، رئيس تحرير صحيفة «مكة»، والكاتبة اللبنانية نايلة تويني، من صحيفة «النهار». ويتحدث في هذه الجلسة الكاتب الصحافي المصري محمود مسلم، رئيس تحرير صحيفة «الوطن» المصرية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» عن المنتدى إنه «يأتي ليلبي حاجة إعلامية ماسة، لأن التحديات الحالية هي الأخطر في تاريخ الإعلام الحديث، وتتطلب تكاتفاً وتبادلاً للخبرات بين خبراء الإعلام والصحافيين، في ظل تزايد الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تهدد مصداقية كثير من وسائل الإعلام».
ويضيف مسلم: «سيجمع المنتدى الخبرات العربية الإعلامية في وقت تتعرض فيه المنطقة لحملة ممنهجة من بعض الأطراف الإقليمية التي تشوه تاريخها وصورتها في المجتمع الدولي؛ لذا فإن الحديث سيكون عن تحديات الصحافة التقليدية، وتذليل الصعاب أمامها لتواكب تحديات التكنولوجيا الرقمية، التي تتطلب أن يكون الصحافي والمؤسسة الصحافية على قدر هذه التحديات».
كما يشارك في هذه الجلسة أيضاً الإعلامي الجزائري جلال بوعاتي من صحيفة «الخبر»، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» في حديث هاتفي: «هناك حاجة ماسة لهذا المنتدى، إذ إن سهام الانتقادات التي توجه إلى الإعلام العربي عموماً، والجزائري بشكل مركّز، لا سيما في ظل التحولات العميقة الحاصلة في مجتمعات المنطقة، التي حولت وسائط اجتماعية رقمية إلى البديل الأول عن الإعلام التقليدي الذي خرج من اللعبة تماماً»، مشيراً إلى أنه «تتعرض القنوات التلفزيونية والصحف الجزائرية، على سبيل المثال، إلى سيل من الانتقادات، إذ لم تعد تغطي الحركية الحاصلة في المجتمع بالشكل الكافي».
ويؤكد بوعاتي: «مواقع التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام الرقمي، تحولت إلى منصات لنشر الأخبار بالصورة والصوت، وأحياناً كثيرة إلى مصدر لمعلومات ذات قيمة أرشيفية، تثير الجدل وتضع له حداً أيضاً، إذا ما تعلق بقضية ذات اهتمام محلي واسع».
ويضيف: «يشكّل هذا الخيار منعطفاً فرض على جميع مكونات المجتمع، والسياسيين تحديداً، «اقتحام» منصات التواصل الاجتماعي، مقابل ظهور مصطلحات وأفكار جديدة في الشارع ترفض الوصاية، أو الانصياع من دون إقناع، لتشكل وسيلة سهلة وأكثر تأثيراً في اتجاهات الرأي لدى شرائح واسعة من المجتمع».
ويتابع: «إن وسائل الإعلام التقليدية تقف عاجزة تماماً عن مجاراة السيل الهائل للأخبار الصحيحة والكاذبة، وتجد نفسها مضطرة إلى التعامل معها بإعادة نشرها، معززة إياها بتعليقات وتصريحات المعنيين بالذكر فيها، إما بالتأكيد أو النفي، لكن من دون أن يكون لذلك تأثير كبير لدى المتلقين والقراء».
ومن جانبه، يوضح الصحافي المصري علي عطا، مدير التحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، أن «منتدى مسك للإعلام سيطرح قضايا باتت تؤرقنا جميعاً، كعاملين في المجال الصحافي، حيث أناقش مع زميل من الرياض، في جلسة بعنوان: (هنا القاهرة... هنا الرياض)، تحديات الإعلام في الواقع المصري، خصوصاً التحديات التي تعاني منها الصحافة الورقية، ووجود قوالب أخرى ومستحدثة للصحافة التي أثرت بطبيعة الحال على آليات العمل داخل المؤسسات الصحافية التقليدية العريقة».
وحول التحديات التي تواجهها وكالات الأنباء العربية، يوضح عطا لـ«الشرق الأوسط» أنه «فرضت التكنولوجيا تغييرات في آليات العمل، مما أدى إلى اختفاء أو انزواء بعض الأقسام التي كانت في الماضي تعد أقساماً أساسية لا يستقيم من دونها العمل الصحافي، ومنها قسم الأرشيف الورقي، الذي كنا نعتمد عليه كمصدر للمعلومات، وقسم تلقي التقارير عبر الهاتف. وأصبح المحرر حالياً يقوم بعدة مهام لخدمة مادته، فهو يجمعها ويكتبها ويرسلها ويحررها، وربما يرفعها على الموقع بالصور، كما أنه أصبح مصوراً ومخرجاً لمقاطع الفيديو التي يسجلها من موقع الحدث».
ويلفت عطا إلى نقطة أخرى: «التكنولوجيا أضافت كثيراً من الإيجابيات في عمل وكالات الأنباء، خصوصاً فيما يتعلق بتذليل الصعاب في إرسال الخدمة للمشتركين. وبدلاً من (التيكر)، أصبح لدينا الرسائل النصية والبريد الإلكتروني وغيرها. لكن من ناحية أخرى، فإن انتشار المواقع الإلكترونية أصبح عقبة أمام عمل الوكالات التي تقلص عدد المشتركين فيها لحصولهم على الأخبار عبر هذه المواقع، وأيضاً جعلت التكنولوجيا الأخبار تتدفق على مدار الساعة، مما يزيد الضغوط في العمل الصحافي، وسيكون المنتدى فرصة لمناقشة هذه الأمور كافة».
وإلى جانب الخبراء والكتاب الصحافيين، سوف يجمع برنامج المنتدى كثيراً من القادة ومبدعي المحتوى من أصحاب الرؤى والخبراء والمستثمرين لإلهام الشباب الواعد.
ويرتكز برنامج المنتدى في القاعة الرئيسية والساحة الاجتماعية على جلسات حوارية وورش عمل يدير حوارها ويثري أفكارها كثير من القادة والرواد، خليجياً وعربياً وعالمياً، حول الإعلام في مختلف المجالات، فيما يستعد المتخصصون في الذكاء التقني إعلامياً لطرح تجاربهم وآخر الأطروحات، وكذلك نظرائهم في المجالات الاجتماعية والفنية، فيما سيخوض الضيوف في الحديث عن التطور الإعلامي للصوت الرسمي، والتفاعل المجتمعي الرقمي الدافئ.
وسوف يخصص المنتدى جلسات حول اكتساح «الترند» وقوة الخبر، وصولاً إلى تحول النتاج الإعلامي إلى من يمتلك الموهبة، ويستثمرها بمعطيات عصر الأجهزة الذكية.
وذكرت إدارة المنتدى أن الرياضة ستكون محل اهتمام من قبل المشاركين، كونها مادة أساسية لتغذية المنصات الإعلامية بالتنافس على المواد الحصرية، وتحطيم حصون الخبر لكسب السبق، بينما سيستعرض خبراء التسويق كيفية كسر الجمود، من خلال التجارب الناشئة من الصفر إلى أعمال وحملات الملايين، وعن طريق التطبيقات الحديثة والموجة الرقمية التي تكتسح العالم في منصات جاذبة ومشجعة أزاحت مركزية دور السينما وعالم الشاشات لتأخذنا إلى التقنية الذكية، ونرى منافسة المستقبل بين تلك المنصات. وأخيراً، سيكون ختام جلسات «منتدى مسك للإعلام» حوار المقدمين بين التشويق وصناعة الرسالة وجذب المشاهد في برامجهم الحوارية ذات الجماهيرية العالية.



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.