مظاهرات لبنان تتمدد وإصرار على «إسقاط الحكومة واستقالة المسؤولين»

الآلاف ملأوا الساحات في بيروت والمناطق

حشود من المحتجين في وسط بيروت أمس (رويترز)
حشود من المحتجين في وسط بيروت أمس (رويترز)
TT
20

مظاهرات لبنان تتمدد وإصرار على «إسقاط الحكومة واستقالة المسؤولين»

حشود من المحتجين في وسط بيروت أمس (رويترز)
حشود من المحتجين في وسط بيروت أمس (رويترز)

استمرت التحركات الشعبية أمس في عدد كبير من المناطق اللبنانية رفضاً للوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب وللمطالبة بإجراءات إصلاحية سريعة، في مؤشر إلى أن دعوات التهدئة التي أطلقها مسؤولون لم تجد آذاناً صاغية لدى المحتجين. وكما حصل أول من أمس، تكرّر المشهد أمس، حيث توحدت الشعارات المناهضة للسلطة والرافضة لاستثناء أي من المسؤولين.
ومنذ صباح أمس حضر آلاف المواطنين إلى الساحات بوسط بيروت حاملين الأعلام اللبنانية، كما نُظّمت تجمعات في مختلف المناطق حيث أقفلت طرقات وسجّلت مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية.
وفيما يؤكد المتظاهرون الاستمرار بتحركاتهم، كان شبه إجماع من قبلهم على التعبير عن عدم ثقتهم بالمسؤولين والوعود القديمة - الجديدة التي أطلقوها، والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ بعد مرور ثلاث سنوات على عهد الرئيس ميشال عون. ولوحظ إصرار شرائح واسعة من المشاركين في احتجاجات أمس على «إسقاط الحكومة واستقالة المسؤولين» الذين يتهمهم المتظاهرون بالفساد.
وبعد ساعات على توقيف عشرات الشبان، أعلن أمس عن إطلاق سراح معظمهم، فيما أفادت معلومات بمقتل شاب نتيجة لإطلاق نار بعد خلاف بين شخص ومتظاهرين على طريق المطار في بيروت. وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام»، أمس، إلى أن مواطناً حاول إحراق نفسه أمام ثكنة الحلو في بيروت، حيث تجمّع الأهالي للاطمئنان على أولادهم المحتجزين خلال مشاركتهم في الاحتجاجات. وذكرت الوكالة الوطنية أن عدداً من المحامين دخلوا إلى ثكنة الحلو لمقابلة الموقوفين. وأكد المحامي واصف الحركة أنهم «لن يبرحوا المكان قبل أن يخرجوا» الموقوفين، معلناً عن تلقيه وعداً من القوى الأمنية بالثكنة بأنه سيتم الإفراج عن كل خمسة منهم على فترات.
وأعلنت وزيرة الداخلية ريا الحسن في تغريدة عبر «تويتر» أنها اتصلت بالمدعي العام لدى محكمة التمييز الذي أبلغها أن معظم الذين تم احتجازهم سيتم إخلاء سبيلهم بسند إقامة، وذلك «لاستكمال التحقيقات لاحقاً للتثبت من مدى توافر الأدلة المادية حول إقدامهم عمداً على ارتكاب أعمال شغب وسرقة محال وحرق الممتلكات العامة والخاصة».
في غضون ذلك، دعت قيادة الجيش «المواطنين المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرة بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير في شكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة». وأكدت في بيان «تضامنها الكامل مع مطالبهم المحقة»، ودعتهم «إلى التجاوب مع القوى الأمنية لتسهيل أمور المواطنين».
وكما يوم أول من أمس تكرر مشهد المظاهرات في مناطق عدة من العاصمة بيروت إلى الشمال والجنوب والبقاع، وسجل تحركات في منطقة بريتال في بعلبك والنبطية وصور، وغيرها من المناطق ذات الغالبية الشيعية حيث رفعت شعارات مناهضة للمسؤولين بمن فيهم نواب ووزراء من «حزب الله» وحركة «أمل».
وفي بعبدا، قطع المحتجون لبعض الوقت طريق القصر الرئاسي قبل أن تعيد القوى الأمنية فتحها.
وفي الجنوب ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن المحتجين انطلقوا بمسيرة من أمام السراي الحكومي في النبطية، وألقيت كلمات نددت بفرض الضرائب والسياسة التي أوصلت البلد لهذه الأوضاع الصعبة.
وفي إقليم الخروب (جنوب بيروت)، توافدت حشود من الأهالي إلى موقع قطع الطريق على الأوتوستراد في منطقة الجية، حيث نصب المعتصمون الخيم في وسط الطريق على المسرب الشرقي ووضعوا الكراسي في داخلها وجلسوا عليها، فيما وضعوا أيضا حواجز حديدية في وسط الطريق، مقابل عناصر من الجيش اللبناني الذين تمركزوا على الطريق وكانوا يراقبون الوضع ويعملون على التهدئة.
وفي جبيل (شمال بيروت)، استقدم المتظاهرون شاحنات مليئة بالأتربة، وأفرغوا حمولتها في الطريق لتعزيز عملية قطع الأوتوستراد في الاتجاهين.
وفي شمال لبنان، قطع محتجون الطريق الرئيسية التي تربط طرابلس بعكار بالإطارات المشتعلة والعوائق الحديدية. وبعد الظهر سجل تزايد في أعداد المتظاهرين في ساحة النور بمدينة طرابلس، ولوحظ انضمام أساتذة وطلاب إلى المعتصمين.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.