موسم «قطف الزيتون» يُطلّ بالخير والبركة على أهل فلسطين

يعد فرصة لتقوية أواصر المجتمع

موسم «قطف الزيتون» (إ.ب.أ)
موسم «قطف الزيتون» (إ.ب.أ)
TT

موسم «قطف الزيتون» يُطلّ بالخير والبركة على أهل فلسطين

موسم «قطف الزيتون» (إ.ب.أ)
موسم «قطف الزيتون» (إ.ب.أ)

بهمة عالية، يستيقظ المزارع إبراهيم النجار (57 عاماً) الذي يسكن محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، في صباحات أيام أكتوبر (تشرين الأول) الخريفية. يتجهز بلباسه الخاص بموسم «قطف الزيتون» ويحمل زاد يومه من طعامٍ وشراب، ويذهب باتجاه أرضه الواقعة شرق بلدة خزاعة الحدودية، المزروعة بأكثر من مائة شجرة زيتون.
في رحلته تلك، التي يسير خلالها مبتسماً مستبشراً برزقٍ وفير، يرافقه عشرة من أبنائه وأحفاده، لمساعدته في عملية القطف. يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «موسم الزيتون بالنسبة لي، هو محور العام، لا أجد متعة إلا فيه، وأنا على هذا الحال منذ سنوات طويلة».
ويوضح أنّ للموسم طقوسا معينة لا يكون له بهجة دونها، ومن بينها، تجمع العائلات والأصدقاء والجيران لتقديم «العون» وللمساهمة في القطف، وكذلك ارتداء الملابس التراثية «القديمة والواسعة»، التي تيسر عملية التسلق على الأشجار العالية، مشيراً إلى أنّهم يستخدمون الثمار حسنة المظهر والخضراء للتخزين و«الكبس»، والثمار الصغيرة الملونة، تستعمل لإنتاج الزيت.
ويعدّ موسم «قطاف الزيتون» بمثابة عيدٍ للعائلات الفلسطينية، التي تتجمع خلال أيام شهر تشرين الأول، لقطف الثمار من على الأشجار التي يتم العناية بها طوال العام، وسط أجواء فرحٍ وسمر وغناء، الأمر الذي يجعل من تلك الأيام، كالموعد المنتظر، الذي يتمنى الجميع قدومه بفارغ الصبر.
أمّا الحاجة أم فوزي غبن فتحكي أنّها بينما كانت تفرز حبات الزيتون التي نقلها لها أحفادها من أرضها الواقعة في بلدة لاهيا شمال قطاع غزة أنّ «أنواع الزيتون كثيرة، لكنّ الأجود هو الفلسطيني الذي ينحدر من النوع (السُّري)، وهو يستخدم غالباً في إنتاج الزيت»، لافتة إلى أنّ عملية القطف تمرّ بمراحل «الجدّ» أي إسقاط الحبات أرضاً على قطعٍ قماشية، ثمّ بعد ذلك تُجمع وتنقل للفرز والتنقية من الشوائب والأوراق.
وتذكر أم فوزي أنّها تعيش تلك الطقوس منذ 50 عاماً، أي من وقت الطفولة الذي كانت تقضيه باللعب بين نفس أشجار الزيتون التي يقطفها أحفادها اليوم، مشيرة إلى أنّ الزيتون هو «بركة المنازل» وفوائده كثيرة، ويدخل في كلّ أنواع الطعام، وتوضح كذلك أنّهم ينقلون الزيتون بعد فرزه للمعصرة، للحصول على الزيت الطازج الذي يُخزّن ليُستخدم طوال العام.
بصوتٍ منخفض تدندن الحاجة بأهازيج التراث الخاصّة، قائلة: «أمي راحت تتسوق، وأختي بتخبز بالطابون، وستي عملتلي عجة، وقلتها بزيت الزيتون»، تقطع تلك المقطوعة بنداءٍ على بعضٍ من أحفادها تخبرهم فيها أنّها انتهت من فرز الكمية التي بين يديها، وتطلب منهم زيادة.
وشجرة الزيتون هي الأكثر انتشاراً في فلسطين، حسب ورقة حقائق أصدرها مركز التعليم البيئي التابع للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، حيث إنها تمثل نحو 67 في المائة من الأشجار ككل، ويزيد عددها كلما اتجهنا نحو المرتفعات الجبلية، أي مناطق الضفة الغربية التي تستحوذ على نحو 88 في المائة من مجموع الأشجار، فيما يتوزع الباقي على محافظات قطاع غزة.
وجاء في الورقة أنّ شجرة الزيتون تطرح ثمراً بعد نحو خمس سنوات من غرسها، وتنتج متوسطاً يتراوح بين الـ20 والـ30 كيلوغراما، ويتبدل إنتاج الشجرة من سنة لأخرى، فالسنة الأولى للحمل التي تسمى «الماسية» تكون غزيرة، وفي السنة الثانية تنتج الشجرة محصولاً أقل، ويطلق عليه اسم «شلتوني». وفي الفترة الأخيرة خفت حدّة الفجوة بين السنوات، بسبب اتباع طرق حديثة في الري والعناية.
ولا تقتصر المظاهر المرتبطة بموسم الزيتون عند هذا الحد، فكثير من المجموعات الشبابية والمؤسسات التعليمية تطلق مبادرات تطوعية للمشاركة في الحصاد والقطف، وتنطلق منذ ساعات الصباح الباكر على مدار أيام طويلة لمشاركة المزارعين طقوس الفرح بالموسم وخيره.
ففي صبيحة يوم الخميس الماضي، انطلقت مجموعة من المتطوعين والصحافيين، في جولة نظمتها بلدية «عبسان» شملت عددا من أراضي الزيتون شرق محافظة خانيونس، قُدّمت خلالها «العون» للمزارعين ومساعدتهم في قطف الثمار، كما أنّه تخلل الجولة فعالياتٍ لإحياء التراث الفلسطيني.
وسام رضوان أحد الشباب المشاركين في الجولة قال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «شجرة الزيتون، مرتبطة بشكلٍ وثيق بالوجود الفلسطيني وبالتاريخ والهوية كذلك ومشاركتي في موسم قطافها هو للتأكيد على أنّها جزء منا»، مضيفا «الاحتلال يحاول كثيراً اقتلاع الأشجار، خاصّة في الضفة الغربية حيث تُدمّر الأراضي فيها بصورة شبه يومية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».