لماذا سربت واشنطن رسالة ترمب لإردوغان؟

TT

لماذا سربت واشنطن رسالة ترمب لإردوغان؟

لماذا تم نشر رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى نظيره التركي رجب طيب إردوغان، المؤرخة في التاسع من الشهر الجاري، أي بعد ثلاثة أيام على اتصالهما الهاتفي الذي اعتبر إشارة إطلاق العملية التركية في شمال شرقي سوريا، وقبل ساعات من وصول الوفد الأميركي الذي ضم نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو إلى أنقرة؟
سؤال طرح في واشنطن بقوة خلال الساعات الماضية، التي حفلت بمواقف وتصريحات متناقضة، تخللها شد وجذب بين الرئيس الأميركي والكونغرس على خلفية العملية التركية وقرار ترمب سحب القوات الأميركية من المنطقة.
نص الرسالة الذي كتب بلغة عامية، بحسب مسؤولين في البيت الأبيض، «كي تكون مفهومة ومباشرة بين الرئيسين»، أثارت الكثير من ردود الفعل السلبية والغاضبة.
البعض اعتبر نشرها رسالة واضحة لإفشال أي أمل بإمكانية إقناع الرئيس التركي على التفاوض والتجاوب مع الوفد الأميركي. فاللغة التي صيغت بها كانت أبعد ما يكون عن التقاليد التي يتخاطب بها الرؤساء، وبالتالي كان من المتوقع أن تثير غضب الرئيس التركي.
وسائل الإعلام التركية التي أشارت إلى أن إردوغان كان رمى الرسالة في سلة المهملات في ذلك اليوم، وأمر بإطلاق عمليته العسكرية في شمال شرقي سوريا، كان من المتوقع أن يسأل عن أسباب نشرها مع بنس وبومبيو، ويعتبرها إهانة مباشرة له. ما يعني أن من سربها كان يعرف سلفا بالأثر الذي ستحدثه؟
ترمب الذي التقى قادة الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب مساء الأربعاء، لمناقشة الوضع في سوريا، لم يكن يتوقع أن ينال مشروع القرار الذي صوت عليه مجلس النواب ويدين قرار سحب القوات الأميركية، الأغلبية الساحقة. وهو تصويت بات يلزم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل على الدعوة لاجتماع هيئة المجلس للتصويت على قرار مجلس النواب. علما بأن مجلس الشيوخ ينتظر مشروع قرار آخر لفرض عقوبات على تركيا، أعده كل من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، اللذين كشفا رسميا ظهر الخميس بتوقيت واشنطن عنه. ونشرت وسائل إعلام أميركية تصريحات عدد من المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، بأن ترمب تعمد إهانة الديمقراطيين، وخصوصا رئيسة المجلس نانسي بيلوسي. وبحسب التسريبات فقد انتقدت بيلوسي قرار ترمب بسحب القوات الأميركية من سوريا وتعريض الأكراد لخطر الإبادة. وعندما أبلغته بعدد الأصوات الجمهورية التي وافقت على القرار، ثار غضبه ووصفها بأنها «سياسية من الدرجة الثالثة». وقام لاحقا بنشر صورة عن الاجتماع حيث وقفت بيلوسي مشيرة بيدها إلى ترمب، ليتهمها بفقدان أعصابها.
في المقابل ردت بيلوسي التي غادرت الاجتماع مع زعيم الأغلبية الديمقراطية بالقول إن الرئيس انهار، وعمدت إلى جعل تلك الصورة غطاء صفحتها الرسمية على «تويتر»، وعلى أنها الشخص الوحيد الذي يقف في وجه الرئيس، في قاعة كلها رجال.
واعتبرت تصريحات ترمب المتناقضة بأنها تعرض عمليا مهمة بنس وبومبيو لخطر الفشل، وبأن مبالغته في إبعاد نفسه عن طرفي النزاع، في سلسلة تصريحاته وتغريداته، التي وصلت إلى حد اتهام الأكراد بأنهم «ليسوا ملائكة»، واعتباره حزب العمال الكردستاني أخطر من «داعش»، كفيلة بإفشال كل المساعي الدبلوماسية، وبتطمين تركيا لمواصلة عمليتها.
تصريحات ترمب أثارت انتقاد حتى أقرب حلفاء الرئيس، أمثال السيناتور ليندسي غراهام، الذي قال في تغريدة: «تصريحات الرئيس أضعفت نائب الرئيس بنس وقدرة بومبيو على إنهاء النزاع».
وحمّل أعضاء من الحزبين الرئيس المسؤولية عن السماح لتركيا بمواصلة عمليتها العسكرية، وقال السيناتور ميت رومني المرشح الجمهوري السابق للرئاسة: «من الواضح جدا أنه قرار اتخذته الإدارة وأدى إلى ما نراه. هذا يشبه إلى حد ما المزارع الذي يغلق باب الحظيرة بعد مغادرة الحصان».
لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام اتهمت الديمقراطيين بالمجيء إلى الاجتماع لمقاتلة الرئيس. وقالت: «كان نقاش الرئيس محسوبا وواقعيا وحاسما، في حين أن انسحاب بيلوسي كان محيرا، لكنه ليس مفاجئا».
ونقل عن أشخاص حضروا الاجتماع، أنه بينما تحول النقاش إلى منع عودة تنظيم «داعش»، أشار ترمب إلى وزير دفاعه السابق، جيم ماتيس، متهما إياه بأنه «أكثر جنرال لا مبال في العالم». وقال إنه «لم يكن قاسيا بما فيه الكفاية، قال إنه يحتاج إلى سنتين لإنهاء داعش، وأنا أنهيته في شهر واحد».
ومع انتهاء اجتماع أنقرة بين بنس وبومبيو وإردوغان، تتجه الأنظار نحو مجلس الشيوخ المصمم على رفع مستوى العقوبات على تركيا، في حال لم تتجاوب أنقرة مع طلبات واشنطن.
وبحسب القانون الأميركي، فإن أي قرار تشريعي لفرض عقوبات قاسية على تركيا، يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ قبل رفعه إلى الرئيس لتوقيعه. وإذا قرر المجلس الموافقة على مشروع «غراهام وفان هولن»، فإن إلزام ترمب بالتوقيع عليه، يحتاج إلى تصويت بأغلبية 67 صوتا لمنعه من استخدام الفيتو الرئاسي. وهو ما قد يكون محط تشكيك، بعدما ظهر أن قيادات الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ اصطفت إلى جانب ترمب، خلال اجتماع البيت الأبيض، وحملوا الديمقراطيين مسؤولية التوتر وفشل الاجتماع المشترك مساء الأربعاء.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.