العملية العسكرية التركية تعقّد خيارات النازحين السوريين

دخان يتصاعد من مدينة رأس العين السورية (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مدينة رأس العين السورية (أ.ف.ب)
TT

العملية العسكرية التركية تعقّد خيارات النازحين السوريين

دخان يتصاعد من مدينة رأس العين السورية (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مدينة رأس العين السورية (أ.ف.ب)

انتابت الهموم أباً كردياً خوفاً على صغيره المريض الذي بدأ يتعلم المشي بعد أن اضطر للخروج من مدينته في شمال شرقي سوريا إثر انهمار القنابل خلال توغل عسكري تركي واتهم الأب أميركا بخيانة الأكراد في المنطقة.
فقد هرب أجيد مشمش من بلدة كوباني الحدودية التي يغلب الأكراد على سكانها يوم الاثنين بعد أن فشل في الحصول على غذاء أو حفاظات لابنه المصاب بعدوى شديدة.
قال مشمش (29 عاماً) لـ«رويترز» هاتفياً من مدينة منبج القريبة حيث يقيم هو وزوجته وابنه «الحياة توقفت. وهرب كل الأطباء... نحن هاربون لكن لا نعلم أين نذهب».
ووصف التحرك العسكري التركي في المنطقة بأنه «كارثة»، وانتقد واشنطن لتخليها عن المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا لتصبح المنطقة تحت رحمة القوات التركية وتطلبالمساعدة من دمشق وموسكو.
كانت بلدته كوباني هي المكان الذي وُلد فيه تحالف عسكري أميركي كردي قبل نحو خمس سنوات عندما تدخلت واشنطن بضربات جوية لمساعدة المقاتلين الأكراد على قلب الموائد على تنظيم «داعش».
وزاد ذلك من الشعور بالمرارة من جراء الانسحاب الأميركي.
وقال مشمش: «الأميركان لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً لنا. كانت تلك خيانة أميركية لشمال شرقي سوريا وللشعب الكردي... تركونا بين شقي الرحى».
ووسط الاشتباكات ينتظر مشمش وأسرته بلا حول ولا قوة لمعرفة ما ستتمخض عنه شبكة المنافسات والتحالفات سريعة التغير في ساحة المعركة المتداخلة في شمال شرقي سوريا الذي يسيطر عليه فصيل وحدات حماية الشعب.
وقد أعاد الأسبوع الأخير رسم خريطة سوريا مرة أخرى بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على نشوب الحرب. ودفع قرار واشنطن سحب قواتها من المنطقة، بما يفتح الطريق أمام الهجوم التركي القوات الكردية، للبحث عن سبل حماية نفسها.
ولذا دعا الأكراد قوات النظام السوري وحليفتها روسيا لدخول منطقتهم.
وقال مشمش إنه يفضل أن تسيطر قوات النظام على بلدته بدلاً من سقوطها في أيدي القوات التركية، وهو ما قال إنه يخشى أن يجعله هدفاً بسبب انتمائه عرقياً للأكراد.
وكانت أنقرة قد بدأت العملية العسكرية في المنطقة لاستهداف وحدات حماية الشعب التي تعتبرها تهديداً لتركيا.
ويعيش في المنطقة الشمالية الشرقية ذات التباينات العرقية ما يصل إلى مليونين من بينهم أكراد وعرب وآشوريون وغيرهم نزح عدد كبير منهم من مناطق أخرى في سوريا.
ويثير نشر قوات النظام السوري تساؤلات حول مصير المنطقة التي اقتطعتها وحدات حماية الشعب وحلفاؤها المحليون وفرضوا فيها حكماً ذاتياً منذ سنوات.
ومما يزيد القلق أن منظمة أطباء بلا حدود أعلنت يوم الثلاثاء أنها علقت معظم أنشطتها في المنطقة وأجلت كل العاملين الدوليين.
وقال مشمش إن الواقع الجديد على الأرض سيمثل تهديداً لمن تحاشوا الخدمة العسكرية الإلزامية أو النشطاء الأكراد المطلوبين لدى الحكومة.
وبالنسبة له لا يقارن ذلك بالتوغل التركي إذ قال: «هذه مشكلة وجودية». وأضاف: «أنا فخور بكوني سورياً. أفضل الحكومة السورية... رغم أن ذلك قد يضعف الحقوق والأحلام التي بنيت في السنوات الثماني الماضية». إلا أنه مع تغير خريطة السيطرة بسرعة البرق وبدء موجة نزوح جديدة يتعين على السوريين الموازنة بين خيارات صعبة فيما يتعلق بمن يتجهون إليه طلباً للملاذ.
ففي مدينة الرقة إلى الجنوب اختبأ شاب من عرب سوريا في بيته يوم الثلاثاء وظل يتابع الأخبار خوفاً من احتمال عودة قوات النظام.
وقال الشاب، وهو من ناشطي المعارضة في العشرينيات من العمر، مشترطاً عدم ذكر اسمه خوفاً من أن يتعرض للانتقام منه: «أعيش في حالة من الرعب. لا أستطيع النوم ليلاً... ولا أعرف ماذا أفعل».
وظل هذا الشاب في مدينته منذ أوائل فترة الحرب رغم تغير حكامها من المعارضة السورية المناوئة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى تنظيم «داعش» ثم إلى المقاتلين الأكراد. لكنه يخشى الآن عودة حكم النظام بسبب نشاطه السابق مع منافذ محلية ونشطاء معارضين للأسد.
وقال زعماء أكراد إن الاتفاق مع دمشق يقضي بانتشار قوات الجيش على الحدود ولم يصدر تعليق رسمي من النظام السوري.
غير أن الناشط السوري وشخصاً آخر من سكان الرقة قالا إنهما ما زالا يشعران بالقلق من أن تبرم القوات الكردية اتفاقاً مع دمشق وتسلم مدينة الرقة. وقال إن بعض سكان المدينة من أنصار دمشق تظاهروا يوم الاثنين مطالبين بعودة حكم دمشق ورفعوا صور الأسد للمرة الأولى منذ سنوات. وأضاف أن أشقاءه لا يرون مشكلة في البقاء في الرقة، شأنهم في ذلك شأن كثيرين، ولذا سيضطر للبحث عن وسيلة للخروج بمفرده. وهو يتمنى أن يتم تهريبه إلى أراضٍ في الشمال تحت سيطرة معارضين من العرب السنة في الأساس تمولهم تركيا وتدربهم في منطقة من سوريا ترابط فيها قوات تركية. غير أنه يترقب الآن لمعرفة ما سيحدث.
وقال الناشط إنه سمع من أقارب له في الشمال أن بعض رجال المعارضة قاموا بعمليات نهب وأتوا بتصرفات غير مناسبة، لكنه سيشعر بقدر أكبر من الأمان هناك عنه في ظل حكم الدولة.
 



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».