منبج مدينة تعاقبت عليها القوى العسكرية... والرايات

مدخل مدينة منبج السورية (أ.ف.ب)
مدخل مدينة منبج السورية (أ.ف.ب)
TT

منبج مدينة تعاقبت عليها القوى العسكرية... والرايات

مدخل مدينة منبج السورية (أ.ف.ب)
مدخل مدينة منبج السورية (أ.ف.ب)

في مشهد يتكرر على مدار السنوات الماضية منذ اندلاع الأزمة السورية؛ مسيرة شعبية تتقدمها نساء وفتيات وأطفال وبعض الشيوخ مع غياب عنصر الشباب؛ يحملون راية عسكرية لجهة عسكرية دخلت إما بالسيطرة عليها أو بالتفاهم مع الجهة الحاكمة، يتكفل هؤلاء المدنيون بمهمة رفعها في مركز المدينة، لا يخلو المشهد من الأرز والسكاكر وتقديم ضيافة لعناصر جدد؛ لباسهم والحذاء العسكري مختلف، فالمشهد بات جزءاً من بلد مزقته نيران الحرب منذ ثماني سنوات عجاف.
في مدينة منبج الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي محافظة حلب، والتي تبعد 30 كيلومتراً فقط عن الحدود التركيّة، تجمع حشد شعبي أمام سراي الحكومة بمركز المدينة، هتفوا للرئيس السوري الحالي بشار الأسد ورحبوا بوصول القوات النظامية، على بعد أمتار كان يقف حاجز «أسايش» وهي الشرطة المحلية التابعة لـ«مجلس منبج العسكري» إحدى تشكيلات «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية.
والمدينة توالت عليها جهات عسكرية عدة على حكمها إذ خرجت عن سيطرة النظام في شهر يوليو (تموز) 2012، بعد أن حررتها فصائل من «الجيش السوري الحر» آنذاك، لتخضع صيف 2014 لسيطرة عناصر تنظيم «داعش»؛ لكن «قوات سوريا الديمقراطية» وبدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، تمكنوا من انتزاع منبج في 15 أغسطس (آب) 2016 وطرد عناصر التنظيم بعد معارك عنيفة استمرت لأكثر من شهرين.
وتقع منبج على الطريق الدولي السريع، حيث تربط مدينة حلب بالمحافظات الشرقية؛ الرقة ودير الزور والحسكة، وتعد هذه المدينة ملتقى ثلاث مناطق نفوذ منفصلة للروس والأتراك والأميركيين، وكانت تضم قواعد ومقرات عسكرية لقوات التحالف والجنود الأميركيين، حيث بلغ عدد سكانها عام 2004 نحو مائة ألف نسمة، وبعد 2011 ارتفع العدد لكونها أصبحت ملاذاً آمناً للنازحين ويقدر عددها اليوم بنحو 600 ألف شخص، يشكل العرب السنة أغلبية السكان إلى جانب الأكراد والتركمان والشركس والأرمن.
إلا أن الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية دخلت منبج بداية 2018، واستجابت لدعوة «وحدات حماية الشعب» الكردية آنذاك في إرسال قواتها المسلحة إلى منطقة منبج التابعة لحمايتها من التهديدات التركية، والأخيرة حشدت نحو 8 آلاف مسلح من الفصائل السورية الموالية لها على طول خط نهر الساجور، وهددت باقتحامها لكنها لم تنفذ وعودها لتفاهمات بين أنقرة وواشنطن.
أما اليوم فعادت القوات الحكومية السورية للانتشار في منبج بعد سيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية على مدينة تل أبيض وبلدة سلوك وتدور معارك عنيفة في مدينة راس العين الحدودية مع تركيا، لكن «مجلس منبج العسكري» أكد أن الانتشار يختصر على خطوط التماس الحدودية مع فصائل «درع الفرات» والجنود الأتراك المتمركزين على طول نهر الساجور غرباً. بينما باتت شوارع مدينة تل أبيض فارغة على قارعتها وأبواب منازلها موصدة أما نوافذها تنتظر عودة أصحابها، لكن عناصر «الجيش الوطني السوري» برفقة جنود أتراك الذين أحكموا قبضتهم على المدينة قبل أيام، سارعوا إلى رفع رايتها على ساريتها في مشهد كرر نفسه بحذافيره في هذه البقعة الحدودية مع تركيا عدة مرات خلال سنوات الحرب. وتُعتبر تل أبيض مدينة استراتيجية تتبع محافظة الرقة لوجود منفذ حدودي مع تركيا، وسُميّت هذا الاسم نسبة إلى تل أثري قريب منها ويعود تاريخها إلى 1920، تبعد عن الرقة بنحو 100 كلم شمالاً، وفي عام 2011 بلغ عدد سكانها نحو 20 ألفاً، حيث يعيش فيها العرب ويشكلون غالبية السكان إلى جانب الأكراد والأرمن والتركمان جنباً إلى جنب. وتوالت جهات عسكرية عدة في التناوب على سيطرتها حتى تمكنت «وحدات حماية الشعب» الكردية العماد العسكري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وفصائل من «الجيش السوري الحر» في شهر يونيو (حزيران) 2015، من السيطرة عليها بدعم من طيران التحالف الدولي، لكنها اليوم باتت خاضعة لسيطرة «الجيش السوري الوطني» المدعوم من تركيا.
أما عين العرب أو «كوباني» بحسب تسميتها الكردية، فهي ثالث مدينة سورية ذات أغلبية كردية بعد محافظة الحسكة شمال سوريا ومدينة عفرين بريف حلب الشمالي، تتألف من 384 قرية صغيرة تقع على بعد 160 كيلومتراً شرق محافظة حلب، بلغ عدد سكانها حسب إحصاء 2004 نحو 45 ألف نسمة. استقطبت هذه المدينة الملاصقة للحدود التركية اهتمام العالم بعد هجوم واسع نفذه تنظيم «داعش» في محاولته للسيطرة عليها في 2 يوليو 2014. وتوصلت الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية قبل يومين إلى اتفاق عسكري ينص على انتشار الجيش السوري في المناطق المهددة باجتياح الجيش التركي وفصائلها المسلحة من بينها مدينة كوباني.
وباتت هذه المدينة الكردية محوراً للصراع في سوريا مع مشاركة طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن الذي تشكل لقتال تنظيم «داعش» المتطرف، ونفذت أولى ضرباتها على المدينة الكردية، دعماً للمقاتلين الذين دافعوا عنها وألحقوا الهزيمة بالتنظيم المتشدّد بعد معارك عنيفة استمرت 6 أشهر بين يوليو وديسمبر (كانون الأول) 2015، وتوالت هزائم التنظيم في سوريا وأعلن القضاء التام على سيطرته الجغرافية وخلافته المزعومة في مارس (آذار) الماضي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.