أكراد سوريا يدفنون قتلاهم وسط شعور بـ«طعنة» أميركية جديدة

TT

أكراد سوريا يدفنون قتلاهم وسط شعور بـ«طعنة» أميركية جديدة

قبل سنوات، فقدت جواهر ابنها أثناء قتاله ضد تنظيم «داعش»، وها هي اليوم تجلس قرب قبره، والشعور بالحسرة وخيبة الأمل يسيطر عليها بعدما تخلى العالم عن المقاتلين الأكراد في مواجهة هجوم تشنّه تركيا، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من القامشلي.
في مقبرة في مدينة القامشلي، تراقب جواهر (57 عاماً) جمعاً من الناس يحملون نعوش مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية سقطوا جراء نيران القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، التي تشن هجوماً منذ أسبوع في شمال شرقي سوريا.
وتقول جواهر، بينما تبدو صورة ابنها هوزان مرتدياً نظارة شمسية خلفها على القبر: «إنها خيبة أمل، تعرضنا للخيانة والظلم سابقاً»، مضيفة بحسرة: «هذا هو تاريخ الأكراد».
وتستطرد المرأة، التي يقاتل اثنان من أبنائها في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية: «لم تذهب دماء هؤلاء الشهداء هدراً... كل المكتسبات التي حصلنا عليها بفضلهم لن تذهب هدراً».
على غرار كثير من الأكراد، تحمل جواهر على الأميركيين تخليهم عن الأكراد، الذين شكلوا مع فصائل أخرى منضوية في قوات سوريا الديمقراطية شريكاً رئيسياً لواشنطن في معاركها ضد تنظيم «داعش»، وفقدوا 11 ألفاً من مقاتليهم في المعارك ضده.
وبدأت تركيا هجومها في التاسع من الشهر الحالي، بعد يومين من انسحاب القوات الأميركية من نقاط حدودية، ما اعتبرته قوات سوريا الديمقراطية بمثابة «طعنة» لها.
وعلى وقع التقدم التركي السريع ومع بدء انتشار الجيش السوري بدعوة من الأكراد في مناطق سيطرتهم، باشرت الولايات المتحدة سحب قرابة ألف جندي من شمال شرقي سوريا.
في المقبرة الكبيرة ذاتها المخصصة للمقاتلين الذين قضوا في المعارك، تمسح امرأة بيدها شاهد قبر بينما تسيل الدموع على وجنتيها. وتجلس أخرى واضعة يدها على خدها قرب قبر ثانٍ، بينما يروي طفل الزهور المزروعة على قبر ثالث.
تتوزع شواهد المقابر جنباً إلى جنب، وعلى كل منها صورة للمقاتل واسمه العسكري وراية الوحدات الكردية.
تقول بسنة أمين (57 عاماً): «يريدون أن يبقى الأكراد مكسورين دائماً، يريدون لهم الموت والقتل، هذا ما فهمناه من الدول» التي اتهمتها بالتخلي عنهم.
ولم يجد الأكراد بعد تخلي واشنطن عنهم خياراً أمامهم سوى دمشق، وإن كانوا عانوا عقوداً من التهميش على يد الحكومات السورية المتعاقبة، قبل أن يبنوا إدارتهم الذاتية بعد اندلاع النزاع المستمر منذ عام 2011.
وأعلنت الإدارة الذاتية الأحد، اتفاقاً مع دمشق برعاية روسية، انتشرت بموجبه وحدات من الجيش السوري في مناطق حدودية أبرزها مدينة منبج وبلدتا تل تمر وعين عيسى.
وخلال تشييع عدد من القتلى في القامشلي، رفعت نساء شارة النصر، وزغردت أخريات، بينما ألقت مقاتلة بنفسها على نعش ملفوف براية الوحدات الكردية.
وتنتحب امرأة مسنة بينما تمسح الدموع عن عينيها، وتلوح بيدها وقد علقت على عباءتها صورة أحد القتلى.
لا تستوعب فريدة بكر (50 عاماً) القرار الأميركي بالانسحاب، وترك واشنطن الأكراد يواجهون مصيرهم لوحدهم. وتقول: «تصرفات أميركا خيانة لمقاتلينا الذين كانوا يأكلون ويشربون ويقاتلون الإرهاب معهم».
لكن خيبة الأمل هذه، لا تمنعها من الرهان على المقاتلين الأكراد الذين ما زالوا يتصدون للقوات التركية بشراسة، خصوصاً في مدينة رأس العين الحدودية في محافظة الحسكة.
وباتت القوات التركية والقوات الموالية لها منذ بدء هجومها قبل أسبوع تسيطر على منطقة واسعة تمتد على طول نحو 120 كيلومتراً من محيط رأس العين حتى مدينة تل أبيض (الرقة).
وتسبب الهجوم التركي، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في مقتل نحو 70 مدنياً و145 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية.
وتقول فريدة: «لن نسكت أو نيأس لأننا أصحاب حق والحق لا يموت (...) سنحارب إردوغان وسندفع بفلذات أكبادنا في سبيل ذلك».
وبينما يحمل شبان نعش مقاتل كردي، تضع شابة يدها عليه وتهمس بصوت منخفض كأنها تتحدث مع القتيل داخله. وتلتزم نسوة وجوههن شاحبة الصمت قربها، ومن حولهنّ تعالت هتافات «النصر لروجافا» (غرب كردستان) و«تعيش مقاومة سري كانيه»، التسمية الكردية لرأس العين حيث تتركز المعارك.
وتقول سعاد حسين (67 عاماً)، التي ينضوي أولادها في صفوف وحدات حماية الشعب: «لا نثق بأميركا أبداً، لم يعد لدي ثقة بأحد». وتضيف بحسرة: «الأمهات الشجاعات هنّ من يدفعن بفلذات أكبادهنّ للدفاع عن وطنهم». وتتابع: «ليس لدى الكرد أصدقاء، سنكون أصدقاء أنفسنا وسنواجه الأعداء».



الأردن باشر إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في العاصمة عمان

إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في الأردن (أ.ف.ب)
إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في الأردن (أ.ف.ب)
TT

الأردن باشر إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في العاصمة عمان

إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في الأردن (أ.ف.ب)
إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج في الأردن (أ.ف.ب)

باشر الأردن، اليوم (الثلاثاء)، عملية إجلاء ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج، كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تعهد بها خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن الشهر الماضي.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، حطّت مروحيتان عسكريتان أردنيتان تحملان طفلين من غزة مبتوري الأطراف ومرافقين من عائلتيهما قبيل ظهر الثلاثاء، في مطار ماركا العسكري في عمان، تبعتهما مروحيتان أخريان بعد الظهر تحملان طفلين مصابين، وفق مشاهد بثّها تلفزيون «المملكة» الرسمي.

ونقل الأطفال مباشرة من المروحيات إلى سيارات إسعاف لنقلهم إلى مستشفيات لتلقي العلاج.

وعقب هبوط تلك المروحيات، قال وزير الإعلام والاتصال، محمد المومني، خلال مؤتمر صحافي: «قبل قليل، بدأ دخول الدفعة الأولى من الأطفال الغزيين الذين يعانون من أمراض مختلفة تنفيذاً للمبادرة التي تحدث عنها الملك في واشنطن».

وأضاف أن «هذه الدفعة الأولى من مجموعة من الأطفال الغزيين وصلت بالطائرات المروحية إلى مطار ماركا العسكري، وهناك مجموعة أخرى ستصل براً خلال فترة قصيرة إن شاء الله».

ومساء الثلاثاء، دخلت سيارات إسعاف تحمل أطفالاً من غزة، وحافلات تقلّ مرافقيهم إلى المملكة، عبر معبر جسر الملك حسين (اللنبي).

وقال مدير الإعلام العسكري العميد الركن مصطفى الحياري، خلال مؤتمر صحافي عند المعبر: «تم نقل 29 من الأطفال المصابين من قطاع غزة، و44 من مرافقيهم، وجرى تنفيذ هذه العملية من قبل القوات المسلحة بالشراكة مع وزارة الصحة».

وأوضح أن الإجلاء نفّذ «على مسارين، الأول مسار جوي انطلق من مهبط قريب من معبر كرم أبو سالم على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وصولاً إلى مطار ماركا العسكري».

وأضاف أن المسار الثاني «هو مسار بري انطلق مباشرة من كرم أبو سالم من خلال مجموعة من سيارات الإسعاف والحافلات التي تتبع القوات المسلحة، والتي وصلت جسر الملك حسين».

ويتم توزيع الأطفال على مستشفيات المملكة الحكومية والخاصة بإشراف وزارة الصحة.

وقال أحمد شحادة (13 عاماً) من جباليا لوكالة الصحافة الفرنسية لدى وصوله في سيارة إسعاف إلى الأردن: «كنت ذاهباً لتعبئة الماء، ألقت مروحية جسماً مشبوهاً وانفجر فينا، بترت يدي وجرحت ساقي، وكان العظم ظاهراً».

وأضاف الطفل، الذي قتل والده وأعمامه وأخواله في الحرب وبقيت له أمه وشقيقتاه، أن «يدي بُترت ورجلي كانت ستحتاج للبتر، لكن الحمد لله (...) سافرنا إلى الأردن لأجل تركيب طرف (صناعي) وأعود لحياتي».

أما محمد العمواسي (43 سنة) الذي جاء مع ابنه بلال لعلاج عينه، فقال إن ابنه وابن اخته أصيبا بشظايا في عينيهما أثناء اللعب إثر «انفجار جسم مشبوه».

وأضاف بحرقة أن «المشهد لا يطاق، قطاع غزة كله مدمر (...) أنفسنا مكسورة، حياتنا مدمرة، بيوتنا تدمرت، مستقبلنا كله دمر».

وكان العاهل الأردني قال للرئيس الأميركي في 11 فبراير (شباط) إن بلاده مستعدة لاستقبال 2000 طفل مريض من غزة، وخصوصاً المصابين بالسرطان، ومن يعانون حالات طبية صعبة، للعلاج في المملكة.

وأدّت الحرب على قطاع غزة إلى مقتل 48388 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من 111 ألفاً، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقاً لبيانات وزارة الصحة التي تديرها «حماس» وتعدّها الأمم المتحدة موثوقة.