لا يزال أهالي بيسلان يحيون ذكرى ضحاياهم الذين سقطوا نتيجة العمل الإرهابي الذي حدث منذ 15 عاماً. وهم في كل عام يحيون تلك الذكرى وفق جميع التقاليد المتعارف عليها؛ يحيون ذكراهم في يوم الفاجعة، وفي أربعينية رحيلهم، التي تصادف 10 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام. ما جرى في تلك المدينة الصغيرة في 1 سبتمبر (أيلول) عام 2004، لا يمكن نسيانه. في ذلك اليوم تحولت الاحتفالات التقليدية بمناسبة «يوم المعرفة»، وهو اليوم الأول من بداية العام الدراسي الجديد، إلى بداية مأساة حقيقية، حين قامت مجموعة من الإرهابيين بالسيطرة على المدرسة رقم «1» في بيسلان (أوسيتيا الشمالية في القوقاز الروسي)، واحتجزت داخل المدرسة أكثر من 1200 رهينة، غالبيتهم من الأطفال الذين كانوا يستعدون لبدء العام الدراسي الجديد، ومعهم أولياء أمورهم والطاقم التدريسي.
بعد مفاوضات استمرت 3 أيام، قررت السلطات تنفيذ عملية لإنقاذ الرهائن والقضاء على الإرهابيين، وكانت نتيجة العملية التي انتهت في اليوم الرابع، مصرع 334 رهينة بينهم 186 طفلاً. طيلة السنوات الماضية تباينت وجهات النظر بشأن الجهة التي تتحمل المسؤولية عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا في المدرسة. ومع إجماع على أن احتجاز الإرهابيين للرهائن كان السبب الرئيسي لما جرى، حمّل البعضُ السلطات الروسية جانباً من المسؤولية، وأشاروا إلى أن عملية الاقتحام لم يتم التحضير لها وتنفيذها بشكل يضمن عدم سقوط ضحايا في صفوف الرهائن.
في هذه الأيام التي يحيي فيها أهالي بيسلان «أربعينية» ضحاياهم، تحدث بعض «شهود العيان» وذوي الضحايا إلى وكالة الأنباء الألمانية، منهم المعلمة ناديز هدا جورييفا، التي تزور باستمرار أنقاض صالة الرياضة في المدرسة، حيث احتجز الإرهابيون الرهائن وفيها سقط عدد كبير منهم، لذلك تحولت إلى موقع تذكاري. تقول جورييفا وهي تقاوم دموعها: «إنها مأساة لا يمكن نسيانها»، وتشير إلى صور للضحايا معلقة على جدار، وبجوارها دُمى أطفال، وتضيف: «هذه صغيرتي فيرا، قبل أيام قليلة من بدء الدراسة، وطفلي بوريس. قُتِلَ كلاهما». ولا تزال جورييفا وابنتها الناجية من تلك المجزرة تحاولان تجاوز آثار ما ألمّ بهما، وتقول: «لقد نجوت، وكنت أتمنى أن ينجو أطفالي أيضاً».
وبرز في ذكريات ذوي الضحايا تباين بشأن الجهة التي يرون أنها تتحمل مسؤولية ما جرى؛ إذ أشارت جورييفا إلى مقتل 12 من قوات الأمن خلال عملية اقتحام المدرسة لتحرير الرهائن والقضاء على الإرهابيين، وتشدد على أنه «لا بد من أن نتذكر أيضاً هؤلاء الأبطال. لقد أطلقنا اسم كل واحد منهم على فصل من فصول المدرسة. ويتم تعليق صور لأفراد الأمن في القاعة». وإذ لا يقلل الآخرون من بطولة رجال الأمن خلال تلك العملية، إلا إنهم يرون أن السلطات تتحمل المسؤولية. وتقول إيلا كيساييفا، التي شاركت في تأسيس جمعية «أصوات بيسلان» التي تعنى بالضحايا: «هذا ليس جيداً... أنا أقاتل على جبهة أخرى. نريد أن تتوقف هذه الدعاية»، وتشعر بأنها ليست ضحية للإرهابيين فقط، بل وللدولة التي لم تتمكن من حماية البلدة.
بغض النظر عن الجهة التي تتحمل المسؤولية عن سقوط ذلك العدد الكبير من الضحايا، فإن الحقيقة الأكيدة حتى اليوم هي أن ما جرى في المدينة منذ 15 عاماً، تسبب في ألم يعجز الزمن عنه، وفرض نفسه على تفاصيل الحياة اليومية لسكان المدينة. ويقول ستانيسلاف دسيبوييف، وهو مسؤول محلي، إن الحادث «كان بمثابة نقطة تحول لبيسلان. ففي هذه البلدة؛ حيث يعرف الجميع بعضهم بعضاً، لم تعد هناك حفلات صيفية، ويتم تعديل مواعيد أعياد الميلاد. حتى المدارس لم تعد تبدأ في 1 سبتمبر، المعروف بـ(يوم المعرفة)، وإنما تبدأ في موعد لاحق من الشهر». بعد عقد ونصف على الحادثة تسود قناعة بين السكان المحليين بأن المدينة التي تبعد بضع ساعات فقط بالسيارة عن الشيشان التي مزقتها الأزمات في الماضي، لن تتعرض بعد الآن لأي هجمات إرهابية. ويقول دسيبوييف: «إنها مكان آمن اليوم. يسيطر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين والاستخبارات عليه. في الوقت نفسه طرأت تغيرات إيجابية خلال السنوات الماضية في مجال التصدي للإرهاب، ولم يعد هناك أي وجود عمليا لتلك (الجيوش) من الإرهابيين الذين نشطوا في التسعينات بمنطقة القوقاز». وتحبط السلطات معظم النشاطات الإرهابية في وقت مبكر، بعمليات استباقية، يتم تنفيذها بناء على مراقبة أمنية مستمرة. وبينما فرّ من تبقى من إرهابيين محليين وانضموا لتنظيم «داعش»، تعلن الاستخبارات الروسية، بين الحين والآخر، الكشف عن خلايا إرهابية، وجرى الكشف عن أكثر من 20 خلية خلال العام الحالي وحده.
موسكو: أهالي بيسلان يتذكرون ضحاياهم في أربعينية المأساة
عقد ونصف عقد على هجوم إرهابي ضحاياه مئات الأطفال
موسكو: أهالي بيسلان يتذكرون ضحاياهم في أربعينية المأساة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة