{الأركانة} المغربية للشاعر الأميركي تشارلز سيميك

الشاعر الأميركي تشارلز سيميك
الشاعر الأميركي تشارلز سيميك
TT

{الأركانة} المغربية للشاعر الأميركي تشارلز سيميك

الشاعر الأميركي تشارلز سيميك
الشاعر الأميركي تشارلز سيميك

أعلن «بيت الشعر في المغرب» فوز الشاعر الأميركي تشارلز سيميك، بجائزة «الأركانة» للشعر للعام 2019. في دورتها الرابعة عشرة، مشيداً بقدرة قصائده على «الحفر في شعاب الألم الإنساني وفي طيات القلق الوجودي، وتوسيع أفق المعنى، وتطوير الشكل الشعري».
ويمنح بيت الشعر، ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، ووزارة الثقافة والاتصال في المغرب، الجائزة سنوياً، وتكونت لجنة تحكيمها من الشاعر حسن مكوار (رئيساً)، والمترجم تحسين الخطيب، والشعراء حسن نجمي (أمين عام الجائزة)، ونجيب خداري، ومراد القادري، ونبيل منصر، ونور الدين الزويتني، والناقد خالد بلقاسم، أعضاء.
وقال بيان الفوز بالجائزة، إن شعر سيميك «يتحدى كل تصنيف مطمئن إلى معايير ثابتة»، فيما «يبدو مساره الكتابي الذي يمتد لأكثر من نصف قرن، كما لو أنه ينمو محصناً ضد كل تصنيف جامد»، وإنه «بقدر ما تنفذ قصائد سيميك إلى آلام الإنسان وأهوال الحياة، تنطوي أيضاً على بعد ميتافيزيقي يخترقها، ويكشف فيها عما يفيض عن الواقعي، وعما يؤمن للمعنى سعته وشسوعه وتعدد مساربه، كما تنطوي، فضلاً عن ذلك، على تكثيف فكري ونفس تأملي، مشدودين إلى مقروء متنوع».
وأضاف: «لربما كان نفاذ قصائد سيميك إلى طيات الواقع البعيدة هو ما حدا بدارسيه إلى الحديث عن المسحة الواقعية في شعره، غير أن هذه المسحة لا تنفصل، من جهة، عن رهان شعري مكين، ولا تجعل، من جهة أخرى، شعره واقعياً بالمعنى الضيق لهذا التصنيف ولا قابلاً لأن يختزل أساساً في هذا التصنيف. إنها مسحة تجدد فهم الواقعي، وتلامس، في حفرها عن اللامرئي في المرئي، تخوم السريالية، لا بوصف السريالية تصوراً كتابياً في ممارسة سيميك النصية، بل بما هي خصيصة واقع فادح في بؤسه، سريالية تتكشف من داخل التوغل الشعري في الحفر عن المعنى، أي من قدرة شعر تشارلز سيميك على النفاذ بعيداً في طيات الواقع والعثور فيها على ما لا يرى».
واعتبر أن «رهان تشارلز سيميك على استجلاء الخبيء واللامرئي في واقع الإنسان، وعلى استغوار القلق الوجودي المخترق لهذا الواقع، هو ما يفسر، بصورة ما، الحضور اللافت للأشياء في شعره. تحضر الأشياء، في قصائده، عبر آلية الانكشاف. كما لو أن شعر سيميك لا يتوجه إلى الأشياء إلا كي يحررها من كل ما يعمل على حجبها. إنه شعر منشغل بالكشف عما يحجب في الأشياء».
ومع أن سيميك يكتب، منذ ستينات القرن الماضي، بوتيرة منتظمة جعلته يصدر مجموعة شعرية كل سنة أو سنتين، فإن الكتابة عنده، بحسب بيان الجائزة: «ظلت دوماً محصنة ضد كل استعجال أو تسرع، فهو حريص على إنجازها بالمحو والتعديل والتشطيب والمراجعة، لأن علاقته باللغة اتسمت بالتوتر وبالوعي أن ثمة ما يتملص من ممكنها، من جهة، ولأن الكتابة عنده لم تكن منفصلة، من جهة أخرى، عن القراءة، إذ كان سيميك يغذي ممارسته النصية بمقروء متنوع، شمل نصوص الصينيين القدماء والرمزيين الفرنسين والحداثيين الأميركيين والنصوص الفلسفية والفكرية، على نحو يكشف وعي سيميك بحيوية المعرفة في الكتابة الشعرية. وعي يعضده حرصه، موازاة مع أعماله الشعرية، على تأليف كتب نثرية عدة، وعلى إنجاز ترجمات إلى الإنجليزية لأشعار من لغات مختلفة».
واعتبر البيان أن المسار الكتابي لسيميك «رافد من الروافد التي أغنت الشعر بوجه عام، والشعر الأميركي بوجه خاص»، وأن ممارسته النصية كشفت عن «الإمكانات التي يتيحها التفاعل بين الشعر والنثر في تنويع الشكل الشعري وتجديده، والبعد النقدي الذي يضطلع به الشعر».
ولد سيميك في بلغراد عام 1938. وغادر عام 1954 مسقط رأسه، رفقة أمه وأخيه، باتجاه باريس، التي أقاموا فيها بضعة أشهر قبل الانتقال إلى أميركا حيث كان والده يعمل منذ نحو 6 سنوات. وصدرت مجموعته الشعرية الأولى «ما يقوله العشب» في 1967، ثم توالت مجاميعه الشعرية التي تجاوز عددها الثلاثين. وفاز بجوائز عدة، منها جائزة «بوليتزر» في 1990 وجائزة غريفين العالمية في الشعر في 2005. وجائزة «والاس ستيفنز» في 2007. كما صار في العام نفسه «شاعر أميركا» المتوج الخامس عشر.
ومن المنتظر أن يتسلم الشاعر الفائز الجائزة في حفل بالعاصمة المغربية الرباط في 5 فبراير (شباط) المقبل، على أن يحيي أمسية شعرية بعدها بـ3 أيام، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للنشر والكتاب في مدينة الدار البيضاء.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.