«أندلسيات أطلسية»... مهرجان للاحتفاء بـ«العيش المشترك» في المغرب

الدورة الـ16 بالصويرة تشهد برمجة 15 حفلاً موسيقياً

مشاركون في الدورة الـ16 لـمهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
مشاركون في الدورة الـ16 لـمهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
TT

«أندلسيات أطلسية»... مهرجان للاحتفاء بـ«العيش المشترك» في المغرب

مشاركون في الدورة الـ16 لـمهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
مشاركون في الدورة الـ16 لـمهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة

تحت عنوان الاحتفاء بمغرب العيش المشترك والإصرار على مواصلة استحضار الماضي المشرق، تحتضن مدينة الصويرة، بين يومي 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي و3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فعاليات مهرجان «الأندلسيات الأطلسية»، في دورته الـ16.
ويقول المنظمون إن دورة هذه السنة ستكون متميزة استثنائية، وإنها ستؤكد في الوقت نفسه أهمية الاختيار الذي سارت فيه التظاهرة، خصوصاً فيما يتعلق بجمعها بين كبار ورموز الموسيقى الأندلسية، في شتى تعبيراتها المختصرة للمكونات والروافد الوطنية، سواء تعلق الأمر بالديانتين اليهودية والإسلامية، أو بدعوة موسيقى الفلامنغو، بأبرز أسمائها التي تربط الحاضر بالماضي. واختار منظمو دورة هذه السنة من هذه التظاهرة الموسيقية، التي انطلق تنظيمها في 2003، بمبادرة من «جمعية الصويرة موغادور»، برمجة فنية تشتمل على 15 حفلاً موسيقياً، تتميز باقتراح طبق فني متنوع قوي المضمون، بشكل يلبي انتظارات جمهور هذه التظاهرة المتميزة الفريدة من نوعها عبر العالم.
ويقول المنظمون إنه «بالنسبة لمن اعترته الشكوك قبل أكثر من 15 سنة، حين ولد مهرجان (الأندلسيات الأطلسية) فقط في المغرب، بالمنطقة المغاربية، في أرض الإسلام، يضرب كل سنة آلاف المسلمين واليهود موعداً لعدة أيام للغناء والموسيقى بشكل جماعي، والاحتفال البهيج بتاريخهم المشترك، وذاكرتهم المختلطة وموروثهم الغني، كما كان الحال دوماً بمدينة الصويرة، باللغتين العربية والعبرية».
وتحدث المنظمون عن الأحاسيس التي ظلت تتركها فعاليات التظاهرة على مستوى «سعادة الاستعادة والإنصات لموسيقى (المطروز) التي يملك المغرب سرها وتألقها، لتجدرها في عمق وغنى تاريخ حافل».
وربط المنظمون بين دورة السنة الماضية ودورة هذه السنة، بالحديث عن «أندلسيات صويرية»، باستعراض أسماء نساء سيتم الاحتفاء بتجربتهن في 2019 «ليس على سبيل الموضة، بل لأن للصويرة فكرة وجيهة حول كيف تكون مرآة وصدى لهؤلاء النسوة اللواتي يتزايد عددهن كل سنة لتمَلك ريبيرتوار غني للموسيقى الأندلسية، الشكوري والملحون اليهودي العربي».
ويتضمن برنامج التظاهرة فقرات غنية، بمشاركة الفنانة سميرة أحمد التي ستقترح رحلة موسيقية من تاريخ الأندلس، والفنانة أسماء الأزرق التي ستعيد على طريقتها أداء قصائد من الملحون اليهودي العربي الذي يخترق الفضاءات والأجيال، بحيث «ستحدثنا عن أمس يساعدنا في كتابة مستقبل لهذا التاريخ المغربي الجميل من خلال قصائد، بينها «أنا الكاوي» و«لالة غيثة مولاتي».
أيضاً، تحضر الفنانة دليلة مسكوب التي ستتحف الجمهور بأغاني لين مونتي وسليم الهلالي وسامي المغربي، علاوة على قصيدة في مدح الرسول محمد (ص)، انطلاقاً من نص للشاعر اليهودي عيوش بنمويال الصويري، فيما ستشارك كل من هناء توك وتامار بلوش وشيماء عمران في تكريم عازفة البيانو غيثة العوفير التي توفيت قبل سنوات، والتي طبعت انطلاقاً من الرباط الساحة المغاربية على مستوى الموسيقى الأندلسية.
كما تخصص الدورة مكاناً للشباب، مسلمين ويهوداً: إلياد ليفي وأنس بلهاشمي ويوحاي كوهين وصلاح الدين مصباح وحاي كوركوس وهشام دينار، بوصفهم فنانين صاعدين يتملكهم إصرار على عدم نسيان ما خلفه الأسلاف.
وكما جرت العادة في الدورات السابقة، يحضر الفلامينغو لتأثيث فعاليات دورة هذه السنة من المهرجان الذي يمنح الصويرة نفحة فنية جمالية، من خلال ليونور ريال في حفل يجمعها بأوركسترا «روافد»، إحدى أفضل مجموعات الموسيقى الأندلسية، بقيادة الأستاذ عمر متيوي.
وأخيراً، يقول المنظمون إنه سيكون الموعد مع ريموند البيضاوية التي ستعود لإتحاف الجمهور في حفلين فنيين: الأول بدار الصويري، والثاني في الاختتام الذي سيجمعها بالأستاذ ابن عمر الزياني، فيما سيكون الافتتاح فرصة لتكريم الشيخ مويزو.
كما ستفتح الزاوية القادرية أبوابها في أمسية يتم خلالها الاحتفاء، بالعربية والعبرية، بأجمل القصائد التي طبعت موروث طرب الآلة بالمغرب.
ولأن مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» هو أيضاً فضاء للنقاش والمعارض، فستكون الفرصة خلال منتدى أغورا لهذه الدورة مع مليكة الدمناتي المنصوري لتناول موضوع «العيش المشترك» الذي يعد روحاً ومحركاً لـ«مدينة الرياح».
ويعيد وصول مهرجان «أندلسيات أطلسية» إلى محطته الـ16 تركيز الحديث على قيمة العمل المنجز، والأهداف من تنظيم تظاهرة ببعد ثقافي وفني، تحتفي بالتعدد والتنوع والتسامح والتعايش بين الديانات والثقافات، سواء عبر مد الجسور بين فضاء جغرافي عريض يضم البحر الأبيض المتوسط، ويمتد حتى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، والذي يشكل الإرث الأندلسي الرابط الذي يجمع بين مكوناته، أو التشديد على أهمية الاحتفال بالذاكرة ونقل التراث ضمن ثقافة الاختلاف، والتعبير بصوت واحد عن غنى وعمق المغرب المتعدد الذي يتفاعل، في انسجام، على أنغام موحدة لموسيقى بلا حدود.
وأخذاً بعين الاعتبار أهداف المهرجان، التي يبقى على رأسها توثيق أواصر العلاقات التاريخية العربية الإسلامية اليهودية، فإنه يحسب للتظاهرة أنها استطاعت أن تبرز نموذجاً فنياً غنياً متفرداً متنوعاً، في ماضيه، يمنح مدينة الصويرة، في الوقت الحاضر، فرصة استعادة واستحضار تلاقح ثقافي أثرى لحظات مهمة من تاريخ منطقة الغرب الإسلامي، أو كما يقول إندريه أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس الرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موغادور»: «إنعاش الذاكرة، واسترجاع نفحات حضارية مشرقة من فترات التعايش والتمازج الثقافي، بدل الصور الكارثية التي أصبحت تتصدر وسائل الإعلام».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».