بوجوههم المتعبة وحقائب شبه خاوية أُعِدّت على عجل، احتوت قليلاً من الحوائج الشخصية، وكثيراً من القهر والحزن والانكسار، نزح معظم مناطق شرق الفرات، إذ لم يكن قاطنو هذه المناطق يتوقعون ذلك بعد 8 سنوات من الحروب المستعرة في بلدهم.
تمنوا لو أنه مجرد كابوس خريفي سيمر عليهم؛ دون أن ينخر البرد عظامهم في الواقع، ويجبرهم على المبيت في العراء لأيام، ثم تبدأ رحلة النزوح والهروب إلى المجهول. بعضهم تمكنوا من الفرار إما سيراً على الأقدام قاصدين الريف المترامي الأطراف، وإما نحو المدن الرئيسية جنوباً، أو عبر سياراتهم الخاصة هرباً من الضربات، ومن تبقى من السكان المدنيين بقوا عالقين، انتظروا دورهم إلى أن تمّ إجلاؤهم نحو مناطق آمنة.
وباتت كل مدن وبلدات عين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي وتل أبيض شمال الرقة، وراس العين (سري كانيه) والدرباسية وعامودا، وغيرها من المناطق الحدودية، خالية من أصحابها على وقع الضربات التركية التي تركزت على طول الحدود؛ حيث قصف الجيش التركي أحياء عدة داخل مدينة القامشلي، ما أدى على الأقل إلى مقتل امرأة ورجل مسيحيين في حي البشيرية وسط المدينة، وبحسب مصدر طبي من الهلال الأحمر الكردي؛ بلغت حصيلة الضحايا المدنيين عشرة ضحايا، سقطوا جراء الهجوم الأخير، وأكثر من 25 جرحى حالة معظمهم حرجة.
ولقد دفعت المعارك الأخيرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا، التي تشهدها مناطق شرق الفرات خلال الساعات الأخيرة، والتي وصفت بالأعنف منذ بدئها، إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص، قصد كثيرون منهم أقرباءهم في ريف المدن والبلدات، ذلك أن كثيراً من هذه القرى ترتبط فيما بينها بعلاقات قرابة.
وجابت مسيرات مناهضة للحرب التركية معظم مناطق وبلدات شرق الفرات، شارك فيها قادة الإدارة وسياسيون ونشطاء وعائلات ضحايا الوحدات الكردية، ورفعوا صور أبنائهم الذين قتلوا في هذه المعارك. ويقول جان (38 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، بكلمات مبعثرة، وقد غصّ حلقه وفؤاده بكثير من الكلام: «غادر معظم المدنيين نحو الريف والحسكة جنوباً. لماذا يستهدفون المدنيين والأبرياء وهذه المناطق الآمنة؟».
وعند تقاطع سوق القامشلي المركزية، قال شفان، الرجل الأربعيني الذي كان يقف أمام بسطة يبيع «البزورات» والموالح والسكاكر، يتابع عبر شاشة هاتفه الجوال الأخبار المتسارعة، وقد بدت علامات الحيرة على وجهه: «قدمنا 15 ألف قربان في الحرب ضد المجموعات المتطرفة، (داعش) و(النصرة)، هزمنا هذه التنظيمات المتشدّدة، وقمنا بحماية المنطقة؛ لكن اليوم تركيا تشن هجوماً عنيفاً، والعالم خذلنا؛ لا سيما أميركا».
وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال سوريا؛ خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم نهاية عام 2012، وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة، وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية.
نزوح مدنيين من مناطق قرب الحدود التركية هرباً من القصف
نزوح مدنيين من مناطق قرب الحدود التركية هرباً من القصف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة