تفسيرات متضاربة لهجوم الراعي على القضاء والأجهزة الأمنية

TT

تفسيرات متضاربة لهجوم الراعي على القضاء والأجهزة الأمنية

تضاربت القراءات السياسية والقانونية للموقف الذي أطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهاجم فيه بعنف القضاء والأجهزة الأمنية، وتحدث عن «محاكمات سياسية، وتحقيقات تجريها أجهزة أمنية تحولت إلى مذهبية». وبينما رأى مقربون من البطريركية المارونية أن هذا الموقف «يعبر عن واقع قائم، وعن حالة الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة». اعتبرت مصادر قانونية أن كلام الراعي «يأتي استكمالاً لمواقف سابقة، مرتبطة بملاحقات طالت موظفين من الطائفة المسيحية في قضايا فساد».
وقال الراعي في عظته التي ألقاها يوم الأحد الماضي: «لا نستطيع السكوت عن تسييس القضاء، وعن تحويله إلى محاكماتٍ سياسية طائفية تُفبرَك فيها الملفات، وتُنقض النصوص، وتُعطل إفادات مؤسسات الدولة»، مؤكداً أن «التعذيب يُمارَس لدى أجهزة أمنية باتت مذهبية».
ويبني البطريرك الماروني كلامه على معلومات ترده عن تجاوزات تحصل خلال التحقيقات الأولية لدى أجهزة أمنية، وفي بعض المحاكم والدوائر القضائية. واعتبر رئيس الرابطة المارونية النائب السابق المحامي نعمة الله أبي نصر، أن «الفساد ينخر عظم بعض المؤسسات، وهذا لم يعد سراً على أحد»، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن البطريرك «لا يطلق كلاماً من دون دليل، ويبدو أن لديه معلومات أكيدة وموثقة عن عمليات تعذيب يمارس». وشدد على «ضرورة الخروج من هذه المحنة؛ لأن البلد بلغ قعر الهاوية، والشعب اللبناني لم يعد يتحمل هذه التجاوزات، والفساد الذي ينخر عظام الدولة»، معتبراً أن «كل شيء بات بحاجة إلى الإصلاح». ودعا أبي نصر إلى «الاتعاظ وأخذ العبرة مما تشهده دول الجوار».
الرسائل السياسية والقضائية والأمنية العالية السقف، التي انطوت عليها عظة الراعي، بقيت موضع متابعة في أروقة قصور العدل اللبنانية؛ لكن مرجعاً قانونياً أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «اتهام البطريرك للقضاء والأجهزة الأمنية ليس جديداً، وسبق له أن اتهم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بممارسة التعذيب مع موقوفين لانتزاع اعترافات». وأشار إلى أن «التحقيقات التي يجريها فرع المعلومات، تحال كلها على القضاء الذي يستند إلى أدلة ملموسة قبل توجيه الاتهام لأي شخص».
وقال المرجع القانوني: «معظم الإفادات التي يقدمها مستجوبون أمام قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو لدى مخابرات الجيش، تأتي مطابقة للوقائع، ويكررها الموقوفون خلال المحاكمة العلنية، حتى وإن زعموا أن اعترافاتهم الأولية جاءت تحت التعذيب». وقال: «الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها، والكلمة الأخيرة للقضاء الذي يجري محاكمات علنية وشفافة، وهناك درجات في المحاكمات يمكن اللجوء إليها، عندما يشعر المتهم بأي ظلم أو حيف لحق به».
وخلال جلسات المحاكمة العلنية، غالباً ما يتنصل المتهمون من الاعترافات التي أدلوا بها خلال التحقيقات الأولية أمام الأجهزة الأمنية، ويتحدثون عن انتزاعها تحت وطأة التعذيب؛ لكن هذا التنصل ليس معياراً لتبرئة المتهم؛ خصوصاً إذا تطابقت اعترافاته مع وقائع قائمة. وأحياناً ينال متهمون حكم البراءة في حال ثبت للمحكمة عدم جدوى الاعترافات السابقة.
وعلى قاعدة رفض التعميم، لا يرى المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية، أن الصورة قاتمة إلى هذا الحد، ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك حالات شاذة وربما تكون كثيرة؛ لكنها لا تجعل السلطة القضائية فاسدة ومسيسة، ولا تجعل الأجهزة الأمنية مذهبية». وتمنى أن «يحدد موقع الخلل ويؤشر إليه، بدل التعميم وضرب صورة القضاء والأجهزة الأمنية كلها». وقال مرقص: «لا شك في أن هناك حالات غير قليلة تحصل فيها تجاوزات وانتهاكات؛ لكني لست من أتباع منهجية وصف الكل بالجزء، حتى لو كان الجزء كبيراً ويحتاج إلى الإصلاح».



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.