«الاتحاد من أجل المتوسط» يحذّر من تداعيات التغيّر المناخي

«الاتحاد من أجل المتوسط» يحذّر من تداعيات التغيّر المناخي
TT

«الاتحاد من أجل المتوسط» يحذّر من تداعيات التغيّر المناخي

«الاتحاد من أجل المتوسط» يحذّر من تداعيات التغيّر المناخي

يحيط الحديث عن «التغير المناخي» بنا من كل جهة، من القاعات الأممية والاجتماعات الإقليمية، مروراً بشوارع العواصم الأوروبية التي شلّها «متمردون» على بطء استجابة دولهم للتقلبات البيئية السريعة، وصولاً إلى دردشاتنا اليومية حول تداخل الفصول والتغير الجذري في درجات الحرارة.
ومع اشتداد الحاجة إلى إقناع سكان العالم بضرورة مراجعة طرق حياتهم قبل انتهاء الحياة على الأرض، كما نعرفها، يتنافس العلماء والناشطون البيئيون على استعراض نتائج دراسات علمية بطرق مبتكرة تشدّ المواطنين وتدق ناقوس الخطر لدى السياسيين، فيختار بعضهم خطابات حماسية وغاضبة أحياناً أمام قادة العالم، كالذي ألقته المراهقة السويدية غريتا ثورنبيرغ في الأمم المتحدة، قبل أسابيع، فيما يفضّل آخرون عرقلة إقلاع طائرات أو رش كميات ضخمة من الطلاء الأحمر على واجهات وزارات حكومية.
أما غرامينوس ماستروجيني، فاختار التوعية بأهمية مواجهة تغير المناخ عبر مقاربة تاريخية غير تقليدية، تعود بنا إلى حضارات شعوب أميركا الوسطى القديمة. وفي حديثه مع «الشرق الأوسط»، توقف نائب الأمين العام لـ«الاتحاد من أجل المتوسّط» لشؤون الطاقة والمناخ عند حضارة المايا المكسيكية، التي كانت تقدم تضحيات بشرية إلى «آلهة» كقرابين لضمان تعاقب الفصول في موعدها، والحفاظ على انتظام المحاصيل الزراعية وعائداتها.
ويقول ماستروجيني إن منطقة البحر الأبيض المتوسط «لا تدرك الحظ الجيد الذي رافقها منذ آلاف السنين، إذ كانت المنطقة التي انطلق منها التنظيم الحالي للحضارة الإنسانية، التي تجد أصلها في الثورة الزراعية. ففي منطقتنا، بدأ البشر في تنظيم الأراضي، واستطعنا القيام بذلك ليس لأننا نتفوق ذكاءً عن غيرنا، بل لأننا حظينا بمناخ مستقر ومتوقَّع. ومكّنتنا هذه القدرة على توقع توالي الفصول من تنظيم الزراعة، وبالتالي باقي جوانب حياتنا».
وعليه، اعتبر ماستروجيني أن طقوس المايا تعكس علاقة البشر الوطيدة بالمناخ، وقال: «كانوا يعكفون على التضحية بشباب متميزين، كانوا أبطال رياضة شعبية شبيهة بكرة القدم اليوم، وذلك بوتيرة سنوية». وتابع: «كانوا يريدون من الآلهة ما كنا نتمتع به نحن في منطقة المتوسط، أي هطول الأمطار في وقتها المتوقّع، وتوالي الفصول بشكل منتظم».
واعتبر هذا الدبلوماسي الإيطالي الذي قضى 25 عاماً من العمل على الآثار الاجتماعية والجيولوجية والاقتصادية للتدهور البيئي، أن استقرار البيئة كان يعتبر حاجة مهمة لدرجة تستدعي القيام بتضحيات بشرية. ويُنظر إلى المناخ كعامل استقرار واستمرارية، وإلى تغيّره بالمستويات السريعة التي نشهدها اليوم كعامل زعزعة. ونجد اليوم أن قدرتنا على التنبؤ بالفصول تراجعت نسبياً، بسبب تسارع التغير المناخي. ويؤثر ذلك بشكل مباشر على الحياة اليومية، لما يسببه من جفاف موارد مائية حيوية، وتحديات للصناعات الزراعية، وحرائق تحسر غاباتنا، وتؤثر على جودة هوائنا.
وأشار ماستروجيني إلى أنه من المهم أن ندرك جميعاً خطورة الوضع الحالي «إن لم نقم بالإجراءات المطلوبة»، موضحاً: «ينبغي أن ندرك في الوقت نفسه أن هذه الإجراءات ليست تضحية، ولن تؤثر سلباً على اقتصاداتنا وجودة حياتنا، بل على عكس ذلك. كل إجراء نتّخذه لمواجهة التغير المناخي يدعم معدلات نمو اقتصادي عادل وموزع بشكل جيد. واعتبر أننا نواجه تناقضاً؛ هو أننا نقاوم اتّخاذ قرارات لمواجهة تداعيات مستقبلية خطيرة، رغم ما نستطيع أن نكسبه من اتخاذ الإجراءات المناسبة لحياة أفضل وأسعد وأغنى.
وجاء حديث ماستروجيني على هامش أعمال المنتدى الرابع لوزراء خارجية دول «الاتحاد من أجل المتوسط»، الذي احتضنته برشلونة، أمس، وهيمنت عليه قضية تغير المناخ في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتواجه منطقة المتوسط، التي تضمّ نحو 500 مليون ساكن، كثيراً من التحديات الناجمة عن التغير المناخي، بما في ذلك موجات الحرارة المتزايدة والجفاف والفيضانات، فضلاً عن زيادة وتيرة وتكرار التقلبات المناخية غير المعتادة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وزيادة نسبة الأحماض في المحيطات. وتتفاعل كل هذه التحديات الجديدة مع التغيرات البيئية والبشرية الأخرى، مثل التلوث والنمو الحضري، ما يضاعف الحاجة إلى سياسة إقليمية واضحة لمواجهة والحد من تأثير هذه التقلبات المناخية المتسارعة.
وكشف «الاتحاد من أجل المتوسط» النقاب، أمس، عن دراسة تقيّم تداعيات التغير المناخي والبيئي على المستوى الإقليمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأكّدت الدراسة أن درجة الحرارة بمنطقة البحر المتوسط ارتفعت بنحو 1.5 تقريباً منذ ما قبل العصر الصناعي، أي 20 في المائة أسرع من المتوسط العالمي. وخلصت إلى أنه في حالة عدم اتخاذ تدابير إضافية للحد من هذا الارتفاع، فإن درجة الحرارة في المنطقة ستزيد بمقدار 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2040. وربما تتجاوز 3.8 درجة مئوية في بعض المناطق الفرعية بحلول عام 2100.
وسيترتب عن ذلك موجات حارة أشد وطأة وأطول أمداً. وستصبح أكثر شهور الصيف برودة في المستقبل، أكثر دفئاً من أكثر الشهور حرارة اليوم، في معظم المدن الكبيرة في منطقة الشرق المتوسط وشمال أفريقيا، مما ينتج عنه فترات طويلة من الحرارة الشديدة والمدمرة.
كما حذّرت الدراسة من احتمال زيادة الصراع الممكنة بين الشعوب وزيادة الهجرة الجماعية، مع انخفاض توفر المياه العذبة بنسبة تصل إلى 15 في المائة في العقود المقبلة، ما سيتسبب في قيود شديدة على الزراعة، والاستخدام البشري في منطقة تعاني من ندرة المياه.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)
العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
الاقتصاد حذّر البنك الدولي من أن موجات الجفاف قد تطول نحو نصف سكان العالم في عام 2050 (واس) play-circle 00:30

البنك الدولي: الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً

قال البنك الدولي إن الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً، موضحاً أن له تأثيرات البشرية والاقتصادية بعيدة المدى.

عبير حمدي (الرياض)
بيئة مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام.

«الشرق الأوسط» (برلين )

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.