شاشة الناقد: Buñuel in the Labyrinth of the Turtles

برونيل في «متاهة الزمن»
برونيل في «متاهة الزمن»
TT

شاشة الناقد: Buñuel in the Labyrinth of the Turtles

برونيل في «متاهة الزمن»
برونيل في «متاهة الزمن»

Buñuel in the Labyrinth of the Turtles
• إخراج: سلفادور سيمو
• إسبانيا (2019)
• تقييم: (جيد)
‫إذا لم يكن هناك خلاف حول مكانة المخرج الإسباني لوي بونيل الفنية، فإن هذا الفيلم يفتح ثغرة في جانب آخر من حياة السينمائي الذي ترك إسبانيا إلى فرنسا ثم عاد إلى موطنه قبل أن ينتقل إلى المكسيك عن طريق هوليوود وينجز في المكسيك الكثير من أفلامه. هذا كله قبل العودة مجدداً إلى فرنسا وتحقيق أعماله الأخيرة هناك.‬
ليس أن هذا الفيلم المنتمي إلى سينما الأنيميشن يتناول كل هذه المسافات الزمنية ويشرح حياة المخرج إزاء كل عمل من أعماله، بل - وبعد تقديم موجز - يحصر نفسه في عملية تحقيق فيلم بونيل الثالث «أرض بلا خبز» (1933) وهو فيلم تسجيلي هدف لعرض الوضع البائس لحياة قرية إسبانية في حينه. بونيَل كان أثار اللغط في فيلميه السابقين «كلب أندلسي» (1929) و«عصر الذهب» (1930) وأثار الشارع الفرنسي المحافظ حين عرضهما ووجد نفسه متهماً بالإلحاد والكفر. تهمة لم ينفها عن نفسه لكنه حاول النأي عن متاعبها قدر الإمكان.
يميط «بونيل في متاهة السلاحف» اللثام عن كيف تم لبونيَل صنع هذا الفيلم الذي، في واقعه، لا يقل إثارة. في كتاب ذكرياته أورد المخرج فصلاً عن هذا الموضوع، لكن المخرج الإسباني سلفادور سيمو يعتمد مراجع أخرى لمادته ويفاجئنا، حتى ضمن إطار فيلم من الرسوم، بجديد غير متداول. مثلاً نعرف أن أحد المعجبين بفيلميه السابقين، رامون أسين، وعد بونيَل بأنه سيموّل فيلمه الثالث (بعدما هجره الممولون المحتملون) إذا ما ربح «اللوتو». وهو ربح اللوتو فعلاً ووفى بعده.
لكننا لا نعرف أن أسين ندم على الوفاء بوعده لاحقاً ولا أن بونيَل قام، في سعيه لإتمام الفيلم كما يرغب تماماً، أمر بتعليق ديك من قدميه وصوّر جزاراً يقطع رقبته بالفعل. ولا نعرف أنه أطلق النار على حمار. ولا نعرف أنه رمى عنزة من على صخرة شاهقة ليصوّرها وهي تسقط. هذه الأمور تتبدّى أمام مشاهد هذا الفيلم (الذي نال جائزتين من مهرجان أنيسي المتخصص بالرسوم المتحركة) فتصدمه. الفيلم لا يبرر أفعاله ولا يدافع عنه. كذلك لا يهاجمه أو ينتقده، لكن بمجرد أنه يستعرض مثل هذه الأحداث - ولو من باب الأمانة التاريخية - يدفع بالمشاهد للنظر مجدداً في ولائه لسينمائي لم تعن له حياة الحيوانات المضحى بها شيئا.
في الوقت ذاته يكشف الفيلم أن مشهد الجنازة كان تمثيلاً. هذا أمر آخر خطر كوننا اعتقدنا بأن الفيلم تسجيلي وبالتالي لا مكان فيه لاختلاق مشاهد مزوّرة. هنا أيضاً لا يحمل الفيلم تبريراً بل يكتفي بالواقعة تاركاً لبعضنا منح العذر على أساس أن الهدف يبرر الوسيلة.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز