يهود إيران في الداخل... ويهودها في إسرائيل

تمزقاتهم بين مكانين في كتاب فرنسي

يهود إيران في الداخل... ويهودها في إسرائيل
TT

يهود إيران في الداخل... ويهودها في إسرائيل

يهود إيران في الداخل... ويهودها في إسرائيل

رغم أن ملف الجالية اليهودية الإيرانية يُعد من الملفات ذات الحساسية الخاصة التي يكتنفها الغموض إلى حد كبير، فإن الكاتبة إستر باريزي استطاعت إنهاء هذه الحساسية، ووضع حد لحالة الغموض التي تكتنف هذا الملف، بكتابها الصادر مؤخراً تحت اسم «يهود وإيرانيون: الجالية اليهودية - الفارسية منذ الثورة في إيران وإسرائيل»، عن دار النشر الفرنسية الشهيرة «هرماتان».
يقع الكتاب في 186 صفحة من القطع المتوسط، ويكتسب أهمية خاصة، ليس فقط لأهمية الملف الذي يتناوله، ولكن أيضاً لأنه يتأسس على دراسة ميدانية قامت بها المؤلفة لمدة أربعة أشهر خلال عام 2016، بين طهران وإسرائيل، متخذة من طهران نقطة انطلاقها البحثية للإجابة عن سؤال مفصلي يدور في خلدها، وهو: كيف يمكن ليهودي أن يعيش اليوم في إيران، خصوصاً منذ الثورة الإسلامية 1979؟ وبالتبعية سؤال آخر: كيف يعيش اليوم يهودي إيراني في إسرائيل؟ هذا السؤال المزدوج يتأسس هو الآخر على إشكالية الهوية اليهودية - الإيرانية، ويمثل كذلك مدخلاً مهماً لفهم طبيعة المجتمعين الإيراني والإسرائيلي. وبفضل كفاءتها اللغوية، فتحت المؤلفة أبواب نحو عشرين عائلة على الأقل في قلب المجتمعين الإيراني والإسرائيلي، ما وفر لها اكتشاف أسرار ومكنونات الهوية اليهودية الإيرانية.
وعلى ذلك، تؤكد باريزي أنه قبل الثورة الإيرانية 1979، كان عدد الجالية اليهودية في إيران يربو على المائة ألف نسمة، وكانت تنعم برخاء ملحوظ. ومع انطلاق الثورة الإيرانية، اضطر عدد كبير من اليهود إلى هجرة الأراضي الإيرانية نحو إسرائيل، بينما فضل البعض الآخر البقاء في إيران.
أما بالنسبة لليهود الإيرانيين في إسرائيل، فتشير المؤلفة إلى أن هناك تفاوتاً ومستويات كثيرة، فهناك فئة هاجرت لإسرائيل طواعية، وتحيا حياتها بشكل طبيعي، لا سيما الشباب الذين ولدوا في إسرائيل، وهو وضع يختلف عن وضع الذين أكرهوا على الهجرة في أعقاب الثورة الإيرانية 1979، إذ يعيشون كما لو كانوا في منفى، الأمر الذي يولد لديهم إحساساً دائماً بالحنين للبلد الأصلي. وتظل هذه الفئة مرتبطة إلى حد كبير بالثقافة الفارسية، بحثاً عن هوية، على عكس الذين اتخذوا الولايات المتحدة الأميركية مقصداً للهجرة في أعقاب الثورة الإيرانية كخيار لهم.
بدايات التكوين
تاريخياً، تذكر الكاتبة أن بداية إقامة اليهود في إيران ترجع إلى أكثر من 27 قرناً، أي بعد القائد العسكري قورش الكبير، مؤسس الإمبراطورية الفارسية، وسيطرته على مدينة بابل عام 528 قبل الميلاد، وإطلاقه سراح اليهود. وهي ترى أن أصول الجالية اليهودية التي تعيش الآن في إيران تعود إلى هذه الفئة من اليهود. ثم جاء بعد ذلك القائد داريوس الأول (468-521)، لينتهج سياسة حماية الأقليات الدينية، ويطور من وضعها الاقتصادي والسياسي بشكل ملحوظ. وبدأ بعد ذلك يهود أوروبا بالتواصل مع يهود الشرق الأوسط، ومن ثم مع يهود إيران الذين تحسنت أوضاعهم أكثر، وبدأوا يحصلون على كثير من الحقوق، خصوصاً في ظل حكم أسرة «قاجار» التي حكمت بلاد فارس منذ 1779 حتى 1925. ثم جاء بعد ذلك عهد الشاة محمد رضا بهلوي (1925-1979) الذي أدمج اليهود في القومية الإيرانية، وجعل منهم مواطنين كاملين، يتمتعون بالهوية الإيرانية التي تسمح بدمج الأقليات الدينية، الأمر الذي ترتب عليه تحسن الوضع الاقتصادي كثيراً ليهود المدن الكبرى، على خلفية استفادتهم من الأوضاع المميزة التي يتمتعون بها، بل وصل الأمر إلى أن بعض الشخصيات اليهودية كانت مقربة من دوائر السلطة.
ويذكر أيضاً أن إقامة إسرائيل عام 1948 كان لها أثر واضح على موجات الهجرة الكبيرة للجاليات اليهودية بشكل عام، إلا أنها لم تؤثر بشكل واضح في البداية على الجالية اليهودية في إيران، لأنها ظلت دون صدامات مع النظام الإيراني، إضافة إلى وجود علاقات تجارية وسياسية وطيدة بين طهران وتل أبيب، الأمر الذي جنب الجالية اليهودية أي تصعيد أو تغيير على وضعها في إيران. لكن تغير كل شيء بعد قيام الجمهورية الإسلامية 1979، إذ رافقها تغير حقيقي في وضع يهود إيران، لسببين: يكمن الأول في الطبيعة الآيديولوجية المفضلة للأغلبية الشيعية، على حساب باقي العقائد والطوائف، فيما يكمن السبب الثاني في وضعها الآيديولوجي المعادي للدولة العبرية، وهو أمر يضع الجالية اليهودية في إيران في وضع حرج للغاية، يصل في بعض الأحيان إلى حد الاتهام بالخيانة، وليس أدل على ذلك من اتهام 13 من أبناء الجالية اليهودية في طهران بالتجسس عام 1999 لصالح إسرائيل، رغم إطلاق سراحهم بعد بضع ساعات، وبالتالي فإن هذا الوضع جعل من الجالية اليهودية في إيران أقلية، ثقافياً وديموغرافياً، إلى حد كبير.


مقالات ذات صلة

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».