في الأسبوع الماضي، وبينما كان اللاعبون يخرجون من نفق الملعب قبيل انطلاق مباراة مانشستر سيتي أمام إيفرتون في الدوري الإنجليزي الممتاز، كشف مشجعو إيفرتون عن علم هائل يحمل وجه المهاجم الإيطالي الشاب مويس كين وشعارا باللغة الإيطالية معناه «لا للعنصرية». ويوم الأربعاء، اتهم الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لاعب خط وسط مانشستر سيتي، برناردو سيلفا، بسوء التصرف، فيما يتعلق بالتغريدة التي نشرها على حسابه الخاص على موقع «تويتر» والتي شبه فيها زميله في الفريق، بينجامين ميندي، بأحد الرسوم الكاريكاتورية التي تستخدم للترويج لنوع من الشوكولاته الإسبانية تحمل اسم «كونجويتوس».
وقد أعجبت كثيرا باللافتة التي رفعها جمهور إيفرتون كمثال للعمل الهادف الذي قد يغير السلوك، ويساهم في الحد من العنصرية في عالم كرة القدم؛ لكن اتهام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لسيلفا يعد بمثابة «لفتة رمزية»، مقارنة بالعقوبات الضعيفة التي تفرض على من يقومون بأفعال عنصرية في قطاعات أخرى من اللعبة. من المؤكد أن التغريدة التي نشرها سيلفا قد تسببت في مشكلة. ومن المؤكد أن تشبيه أصحاب البشرة السمراء بالحيوانات أو بأشياء قبيحة هو أمر غير مقبول على الإطلاق، كما أن التشابه بين شعار الشوكولاته الإسبانية وميندي ليس كبيرا. لكن في الوقت نفسه، يجب الإشارة إلى أن سيلفا وميندي صديقان حميمان وزميلان في نفس الفريق. وعندما يتواصل أي شخص مع أصدقائه فإنه يتخلى عن حذره ويتحدث بقدر أكبر من الحرية، ومن وقت لآخر ربما يقول أشياء لا يمكن أن يقولها لأي شخص غريب.
وأعتقد أن معظمنا قد أرسل أشياء إلى أصدقائنا على تطبيق «واتساب» من شأنها أن تجعلنا نشعر بالحرج الشديد إذا تم نشرها على الملأ. لكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه سيلفا هو نشر هذه التغريدة للجميع. لكن على الرغم من أن سيلفا ربما لم يكن يقصد أن يوجه أي إهانة عنصرية، فإن الجهل ليس أبدا ذريعة كافية للقيام بمثل هذه الأمور.
وفي الحقيقة، يجب اتخاذ بعض الإجراءات لمواجهة مثل هذه الأمور. لقد ضيع مانشستر سيتي الفرصة لتهدئة الأجواء، فبدلا من أن يطلب من سيلفا أن يقدم اعتذارا علنيا عن أي مخالفة يكون قد ارتكبها، خرج جوسيب غوارديولا ليدافع عن سيلفا ويؤكد على أن التغريدة لم تكن عنصرية. وقد كان هذا دليلاً على واحدة من المشاكل الرئيسية التي تجعلنا غير قادرين على مواجهة العنصرية بشكل فعال، إذ إن الكثير من الناس لا يفهمون بالفعل ما هي العنصرية.
ويجب التأكيد على أن العنصرية ليست مجرد اعتداء لفظي أو بدني. إن الشخصية الكارتونية التي استخدمها سيلفا لتشبيه ميندي كانت قبل إعادة تصميمها مؤخرا، تشبه الصور التي كانت تستخدم لتحقير أصحاب البشرة السمراء منذ العبودية، وهو ما يعني أن تشبيه أي شخص من أصحاب البشرة السمراء بها هو أمر غير مقبول تماما. لكن الرسوم الكاريكاتورية المماثلة للأطفال البيض لا تحمل نفس الدلالات المهينة بكل تأكيد، فلا يمكن أن يشعر أي شخص بالانزعاج لقيام شخص آخر بتشبيهه بشخصية كارتونية بيضاء.
ربما لم يكن سيلفا يعرف بهذه الأمور في هذا البلد، ولا يعرف أنه إذا قام أي شخص بنشر صورة لشخص من أصحاب البشرة السمراء بطريقة معينة، فسيكون لذلك ردة فعل عنيفة، وسيلزم الرد على ذلك. لقد تدخل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، لكن المشكلة الآن هي مشكلة الثبات على المبدأ وعدم قيام الشخص بأكثر من حدث يدل على أنه يتعمد توجيه إهانات عنصرية.
إن قضية نشر سيلفا لتغريدة واحدة بشكل غير مقصود حول زميل له في الفريق لن يكون لها تأثير كبير على المجتمع البريطاني. لكن عندما تردد أعداد كبيرة من المشجعين هتافات عنصرية - مثل الموقف الذي ذكرته في عمودي السابق والذي أدى إلى تغريم نادي ميلوول 10 آلاف جنيه إسترليني في أغسطس (آب) الماضي - كانت العقوبات ضعيفة ولا تتناسب إطلاقا مع ما حدث. وعندما تكون هناك فرصة لإجبار المشجعين والأندية على مواجهة المشكلة وتشجيع تغيير السلوك، فإن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لا يستغل هذه الفرصة. لكن عندما تكون هناك فرصة لتوجيه «لفتة» سهلة من خلال فرض عقوبات على لاعبين مثل سيلفا، فإن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لا يتردد في القيام بذلك!
في الواقع، كان يجب أن يكون هناك رد فعل من نوع ما على التغريدة التي نشرها سيلفا، لكن ما قام به الاتحاد الإنجليزي يصرف النظر عن لب القضية الأساسية. وقد دافع رحيم ستيرلينغ - الذي لا يخجل من انتقاد من يوجهون إساءات عنصرية، وأعتقد أنه كان سيتحدث عن سيلفا إذا رأى ذلك ضروريا - عن سيلفا، كما دافع ميندي نفسه عن سيلفا. وإذا قام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بفرض عقوبة على سيلفا، فمن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغيير في قضية العنصرية في عالم كرة القدم، وبدلا من ذلك سيكون ذلك مجرد إهدار مزيد من الوقت والجهد. ونفس الأمر ينطبق على قيام لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز بارتداء قمصان تحمل شعار مبادرة «كيك إت أوت» لمناهضة العنصرية، أثناء عمليات الإحماء في مباراتين كل عام. يتعين علينا أن نقوم بشيء يساهم في إحداث فارق دائم، وليس مجرد شيء يساعد على جذب الانتباه فقط.
وخلال الموسم الحالي، تأثرت ببعض المواقف التي اتخذتها بعض الأندية وعدد من الأفراد أيضا. ففي أغسطس الماضي، انتقد هاري ماغواير «المتصيدين المثيرين للشفقة» الذين يوجهون إساءات للاعبين أصحاب البشرة السمراء على «تويتر». في الحقيقة، يجب على الآخرين انتهاج موقف ماغواير، بمعنى أن توجيه الانتقاد للعنصرية والعنصريين لا يجب أن يقتصر على أصحاب البشرة السمراء والمنتمين للأقليات العرقية.
وبعد ذلك، أعجبت أيضا بما قام به جمهور إيفرتون عندما رفع لافتة «ضخمة» على ملعب «غوديسون بارك»، وهي إشارة رائعة للغاية في مجال مكافحة العنصرية، لأن هذا كان يعني بكل بساطة أن هناك ناديا يقول بصوت عالٍ وواضح: نحن لا نقبل هذا ونؤيد اللاعب صاحب البشرة السمراء على طول الطريق.
في الواقع، يمكن القيام بأشياء أخرى لتغيير ثقافة كرة القدم. أنا متأكدة من أن هناك الكثير من الأشخاص الأذكياء الذين يفهمون نفسية مشجعي كرة القدم، وهم خبراء في تغيير سلوك المشجعين بطرق معينة. لكنني أشعر بأن همهم الأول والأخير هو محاولة بيع أشياء معينة للجمهور، سواء كان ذلك في شكل قمصان جديدة أو اشتراكات في الباقات التلفزيونية أو المراهنات، أو بيع الطعام في يوم المباراة.
ولو قام هؤلاء الأشخاص بجهد مماثل لمكافحة العنصرية، فأنا متأكدة تماما من أننا سنلاحظ اختلافا كبيرا في هذه القضية قريباً. إن كرة القدم دائما ما كانت المرآة التي تعكس المجتمع، لكن المسؤولين عن هذه اللعبة يجب أن ينظروا إلى كرة القدم على أنها أكثر من مجرد مرآة. ولم تكن كرة القدم من قبل تشهد هذا الاهتمام الكبير من الجميع كما لم يكن لديها كل هذه الثروات الهائلة، وبالتالي يتعين على مسؤولي كرة القدم أن يستخدموا هذه الشعبية وهذه الإمكانيات المادية الهائلة لقيادة المجتمع، ولا أن تكون اللعبة مجرد مرآة للمجتمع. الأمر ليس صعبا ولا مستحيلا، لأننا لا نتحدث عن علوم الفضاء مثلا، لكننا نتحدث عن ضرورة اتخاذ قرارات قوية وصارمة بدلاً من القرارات السهلة التي يفضلها المسؤولون لدينا في أغلب الأحيان.
وتواجه بعض الأندية مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالسلوك المتأصل والثقافات التي تراكمت على مدى عقود وتحتاج إلى تغيير، ومن المؤكد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت ويتطلب عملا شاقا للوصول إلى الهدف النهائي والقضاء على العنصرية. ومن السهل جداً إدانة «أقلية صغيرة من المشجعين» علناً، ويمكن لأي ناد أن يفعل ذلك كل أسبوع من دون أن يتغير سلوك أي مشجع من هؤلاء المشجعين، لكن لو فرض المسؤولون قرارات صارمة بأن يلعب هذا الفريق أو ذاك من دون جمهور أو أن تنقل مباراة له خارج ملعبه، فإن الأمور ستتغير بسرعة كبيرة.
من المؤكد أنني لست مطالبة بأن أقترح العقوبات الصحيحة التي يجب أن تفرض على المسيئين، فهذا ليس مجال خبرتي، لكن هناك حاجة إلى التعامل بقسوة أكبر مع المسيئين. لكن الشيء الوحيد الذي أؤمن به تماما هو أن الاكتفاء بإصدار البيانات الصحافية والتعليق على الأمور الهامشية لن يحرز أي تقدم في هذا الشأن!
اتهام برناردو سيلفا مجرد «لفتة رمزية» لا تكفي لمواجهة العنصرية
اتحاد كرة القدم يغض الطرف أحياناً عن إساءات بغيضة ويهتم بالصغائر منها
اتهام برناردو سيلفا مجرد «لفتة رمزية» لا تكفي لمواجهة العنصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة