الكرملين: إدارة ترمب لم تبلغنا بقرار الانسحاب

اتصالات مع أنقرة وواشنطن تسبق العملية المحتملة

TT

الكرملين: إدارة ترمب لم تبلغنا بقرار الانسحاب

أعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن واشنطن لم تبلغ الجانب الروسي بقرار الانسحاب من بعض المناطق في الشمال السوري، وقال بأن موسكو تراقب الموقف و«لا نعرف إن كان هذا (الانسحاب) سوف يحصل بالفعل».
وأفاد الناطق الرئاسي بأن القيادة الروسية تجري اتصالات مع الأطراف المختلفة، في شأن التطورات الجارية في سوريا، لكنه أشار إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين «لم يبحث هذا الملف بعد مع نظيريه الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب إردوغان» في إشارة إلى احتمال توسيع مستوى الاتصالات الروسية حول الوضع السوري.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحث أمس هاتفيا مع نظيره التركي، مولود جاويش أغلو، تطورات الأوضاع في شمال شرقي سوريا على خلفية الاستعدادات لشن عملية عسكرية تركية في المنطقة.
وأفادت الخارجية الروسية، في بيان بأن الوزيرين «بحثا بشكل مفصل» خلال الاتصال الذي جرى بمبادرة من الجانب التركي، «عملية التسوية في سوريا، وأوليا اهتماما خاصا للأوضاع في شمال شرقي الجمهورية العربية السورية».
وأكد الوزيران وفقا للبيان ضرورة «مواصلة الحوار المكثف بهدف تعزيز وتطوير التعاون الروسي التركي في جميع الاتجاهات».
سبقت هذا الاتصال محادثات هاتفية أجراها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو مع نظيره الأميركي مارك إسبر، بحث خلالها الطرفان الوضع في سوريا.
ولم تكشف وزارة الدفاع الروسية، تفاصيل المكالمة وما إذا كانت تطرقت إلى خطط واشنطن لإعادة نشر قواتها بعد الانسحاب من بعض مناطق الشمال، واكتفت في بيان مقتضب بالإشارة إلى أن المحادثات تناولت الشأن السوري.
وكانت موسكو أبدت «تفهما» للعملية العسكرية المحتملة لتركيا، لكنها دعت أنقرة إلى الالتزام بمبدأ وحدة الأراضي السورية. وفي المقابل شككت أوساط روسية بجدية قرار الرئيس الأميركي حول الانسحاب ورأت مصادر قريبة من وزارة الدفاع أن ثمة تباينا في الإشارات التي تطلقها واشنطن ما يشير إلى وجود أكثر من رأي داخل الإدارة الأميركية حول هذا الموضوع.
في الأثناء، برز تباين واسع في وسائل الإعلام الروسية حول الموقف من العملية العسكرية المحتملة، وركزت تعليقات الخبراء الروس على أن خطط تركيا لا تقتصر على إنشاء «منطقة أمنية». وأن إردوغان يسعى إلى تحقيق مكاسب داخلية كبيرة، على خلفية تراجع شعبيته كثيرا خلال الفترة الأخيرة.
ورأت صحيفة «أوراسيا ديلي» أن كل الدلائل، «تشير إلى فشل المشروع الأميركي التركي لإنشاء «منطقة» داخل الجمهورية العربية السورية. ويصعب التنبؤ بما سيحل بالجيش التركي وبإردوغان شخصيا. من الواضح أن الزعيم التركي يخوض مغامرة جديدة، بعد التدخلين السابقين في سوريا. ولكن المخاطر هذه المرة أكبر بالنسبة له، بالنظر إلى أن الأكراد السوريين ليس لديهم مكان يتراجعون إليه. لذلك، يمكن توقع أشد المقاومة منهم».
في المقابل نقلت «نيزافيسيمايا غازيتا» عن خبراء أن الرئيس التركي يعمل على تعزيز نفوذ بلاده في سوريا، ووفقا للخبير العسكري العقيد شامل غاريف، فإن «عملية أنقرة القادمة، في حال تنفيذ خطة إنشاء منطقة أمنية قد تكون، خلافا لعملية عفرين وغيرها من المدن السورية، أكثر شمولاً».
وزاد أن قوات «الجيش الوطني الجديد» الذي شكلته أنقرة أخيرا، ستشارك في العمليات الحربية المحتملة ضد الأكراد.
لكنه رأى أن الهدف الرئيسي لـ«الحكومة المؤقتة» التي تدعمها أنقرة هو «الإطاحة بنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. رغم أنها الآن، وفقا لروايتها الرسمية، تحارب المنظمات الإرهابية»، لافتا إلى أن عملية أنقرة قد تسفر عن تفجر الموقف أكثر بدلا من تسوية المشكلات الأمنية في مناطق الشمال السوري.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.