بغداد تتحدث عن {إحباط مؤامرة} استهدفت النظام السياسي

مسؤول بارز قال لـ «الشرق الأوسط» إن {طرفاً ثالثاً استغل الحراك الشعبي}

تشييع متظاهر قضى خلال الاحتجاجات في مدينة النجف (رويترز)
تشييع متظاهر قضى خلال الاحتجاجات في مدينة النجف (رويترز)
TT

بغداد تتحدث عن {إحباط مؤامرة} استهدفت النظام السياسي

تشييع متظاهر قضى خلال الاحتجاجات في مدينة النجف (رويترز)
تشييع متظاهر قضى خلال الاحتجاجات في مدينة النجف (رويترز)

هيمن الحديث عن «مؤامرة» وسط الحراك الشعبي منذ الثلاثاء الماضي لإسقاط النظام، على الخطاب السياسي في بغداد، أمس، في حين كشف مسؤول رفيع لـ«الشرق الأوسط» عن تفاصيل هذه «المؤامرة» التي قال إن الأجهزة الأمنية «تنبهت لها وأحبطتها».
وقال المسؤول الرفيع الذي اشترط عدم نشر اسمه، إن السلطات «توصلت إلى خيوط مؤامرة كانت تستهدف النظام السياسي في البلاد، وذلك بالتوازي مع الحراك الشعبي». وأضاف «السلطات كان لديها علم مسبق بوجود مظاهرات خدمية ومطلبية تم الإعداد لها منذ الشهر التاسع، وأنها ستنطلق في الشهر العاشر، وذلك من خلال عمليات تحشيد غير مسبوقة في مواقع التواصل الاجتماعي»، مشيراً إلى أن «الأمور سرعان ما أخذت طابعاً آخر تمثل بدخول جهات منظمة على شكل أفراد وسط حشود المتظاهرين السلميين بهدف التخريب والعبث بما في ذلك الاعتداء على القوات الأمنية والمتظاهرين أنفسهم لغرض توفير الغطاء اللازم لهذه المؤامرة».
وأوضح المسؤول الرفيع المستوى، أن الخطة «كانت تتضمن غلق مداخل بغداد الثمانية مع قطع طريق المطار، غير أن الجهات المسؤولة تنبهت إلى الأمر وتعاملت معه وسيطرت على الموقف».
ورداً على سؤال حول ما إذا كان استخدام العنف المفرط السبيل الوحيد للقضاء على «المؤامرة»، أجاب المسؤول «إن نوع العنف الذي استخدمته القوات الأمنية فُتح تحقيق بشأنه لمعرفة الدوافع وراء استخدام هذا العنف، لكننا متأكدون أن هناك طرفاً ثالثاً استخدم قناصين مدربين هو الذي استهدف القوات الأمنية والمتظاهرين، وهو الذي أوقع كل الخسائر البشرية التي وقعت خلال الأيام الخمسة الماضية».
بدوره، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أن فصائل الحشد، وغالبتها شيعية بعضها مقرب من إيران، جاهزة للتدخل لمنع أي «انقلاب أو تمرد» في العراق، في حال طلبت الحكومة ذلك. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الفياض قوله خلال مؤتمر صحافي في بغداد إن «هنالك من أراد التآمر على استقرار العراق ووحدته»، مؤكداً أن الحشد الشعبي، الذي يعمل في إطار رسمي، يريد «إسقاط الفساد وليس إسقاط النظام»، في رد على شعارات المتظاهرين. وأكد الفياض «نعرف من يقف وراء المظاهرات، ومخطط إسقاط النظام فشل»، مشدداً على أنه «سيكون هناك قصاص لمن أراد السوء بالعراق».
إلى ذلك، أكد وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، أمس، أن القوات العراقية لن تتهاون مع من يريد إحداث الشغب والفوضى. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن االشمري قوله إن «الوضع الأمني في عموم العراق جيد وفي بغداد جيد جداً، وإن قواتنا لن تتهاون مع من يريد إحداث الشغب والفوضى»، موضحاً أن «لدينا أوامر موجهة للقادة بالحفاظ على أرواح المتظاهرين الذين يحملون مطالب مشروعة لأننا لُحمة واحدة ولا نسمح بالاعتداء عليهم». وأضاف «تم التوجيه بتغيير القيادة العسكرية بمدينة الصدر بعد إجراء تحقيق وتقديم المقصرين أمام المحاكم».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.