التطواف حول «الرواية التفاعلية»

عجز نقدي عن توطينها في المشهد الثقافي العربي

سعيد يقطين  -  أحمد فضول شبلول  -  زهور كرام
سعيد يقطين - أحمد فضول شبلول - زهور كرام
TT

التطواف حول «الرواية التفاعلية»

سعيد يقطين  -  أحمد فضول شبلول  -  زهور كرام
سعيد يقطين - أحمد فضول شبلول - زهور كرام

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول)، وعلى مدى ثلاثة أيام، وبمشاركة نخبة من الروائيين والنقاد، أقيم في عمّان ملتقى الشارقة للسرد، تحت عنوان «الرواية التفاعلية - الماهية والخصائص». وقد اشتمل الملتقى على خمسة محاور: ماهية الرواية التفاعلية، وبنية السرد في الرواية التفاعلية، والرواية التفاعلية - التقنيات والأبعاد الجمالية، والرواية التفاعلية والنقد الرقمي، والرواية التفاعلية وأثرها في الرواية التقليدية. والمستغرب هنا أن القائمين على الملتقى والمشاركين لم يفترضوا وجود الرواية التفاعلية في الفضاء العربي وحسب، بل قرروا وجودها كنصاب أدبي، وبالتالي صار لزاماً مناقشة ماهيتها وخصائصها، ومناقدتها، ورصد ارتداداتها الجمالية، على طاولة حوار مهرجانية يُعتد بها. وكانت الرواية التفاعلية قد ألقت بظلالها الكثيفة على ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي في أبريل (نيسان) الماضي، من خلال ندوة «الرواية في عصر المعلومات». وذلك إلى جانب عدد من الملتقيات التي صارت تستدعي الرواية التفاعلية، من دون تقديم الدليل على وجودها الفعلي ضمن المنجز العربي.
هذا التنادي للرواية التفاعلية يستوجب إعادة التذكير بالتشخيص النقدي لسعيد يقطين، الذي كان حاضراً في ملتقى الشارقة للسرد، وغيره من الملتقيات المتعلقة بالنص الرقمي، حيث يصف مجمل المراودات العربية للدخول في عالم النص التشعبي بالمحاولات القاصرة عن الإلمام بمستوجبات اللحظة الرقمية، وذلك في كتابه «من النص إلى النص المترابط - مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي»، إذ يقول: «لقد دخلت الدراسات الأدبية مرحلة جديدة من البحث، وتولدت مصطلحات ومفاهيم جديدة، لكننا ما نزال بمنأى عن التفاعل معها، أو استيعاب الخلفيات التي تحددها. ظهرت مفاهيم تتصل بالنص المترابط، والتفاعلية، والفضاء الشبكي، والواقع الافتراضي، والأدب التفاعلي، ونحن ما نزال أسيري مفاهيم تتصل بالنص الشفوي أو الكتابي، ولم نرقَ بعد إلى مستوى التعامل مع النص الإلكتروني».
وهذه النتيجة المعلنة من قبل رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب تؤكد أن النقد لا يمكنه أن يعمل في فراغ نصي؛ بمعنى أن الناقد العربي ليس بمقدوره مناقدة مشتبهات روائية تتلبس لبوس الرواية التفاعلية، إذ لا يقدم المشهد العربي البعيد جداً عما بات يُعرف بالإنسانيات الرقمية أي رواية تفاعلية يمكن اعتمادها كمرجعية على وجود هذا النمط الأدبي، عدا روايات محمد سناجله، بشقيها التفاعلي والواقعي الرقمي، حسب تصنيفاته التي تعتمد أسلوب الروابط والإحالات الإلكترونية، لكنها لا تعانق حداثة المصطلح وتعقيدات الاشتغال، إذ تنتهي في الغالب إلى صيغة ورقية لا تختلف عن أي رواية اعتيادية، من دون أي قيمة تفاعلية. فهي رواية الروائي، وليست رواية الروائي والمتلقي. وذلك هو ما يفسر وجود روايته «شات» في المرمى النقدي لمحمد أسليم، وزهور كرام، وأحمد فضل شبلول، وسمر ديوب، وغيرهم من المهتمين بالنصوص الرقمية، كخيار وحيد للتدليل القسري على وجود رواية تفاعلية. هذا بالإضافة إلى متوالية من الروايات التي لا تنتسب إلى الأدب الرقمي إلا من حيث كونها كُتبت في الأصل بشكل تجزيئي، على شكل منشورات «فيسبوكية» أو تغريدات «تويترية» قبل تنضيدها في كتاب ورقي، كرواية «إسبرسو» لعبد الله النعميمي، وغيرها من المراودات التجريبية.
السرديات التفاعلية إشارة من إشارات التماس مع ضرورات الحداثة، المؤسسة على يوتوبيا الاتصال، بحيث يكون فيها الاتصال بمعناه التقني المتقدم قيمة مهيمنة، بما في ذلك السلوك الاتصالي المتعلق بالكتابة. فالإنسانية الجديدة، حسب نوربيرت فاينر، مبتدع السيبرانية أو العلم العام للاتصال، تخص البشر كافة، حيث الحياة برأيه «لم تعد في البيولوجيا، إنما في الاتصال». وهكذا، يمكن النظر إلى التحولات العميقة في كيفية بناء العمل الفني والأدبي، أي في فكرة انتقال جوهر النشاط الإنساني إلى عوالم الميديا، وهو تحول بنيوي عميق لا يتوفر في الحياة العربية، لأن إنتاج النص التشعبي يتجاوز الانتقال إلى أدائية مغايرة، أو إبدال الأدوات إلى مغامرة التماس مع التكنوثقافي؛ بمعنى أن الرواية التفاعلية ليست نزوة شكلانية لاقتفاء أثر الآخر، أو الانتقال من الكتابة الورقية إلى الكتابة على الكي بورد، أو غير ذلك من الاحتيالات الصورية التي لا تعني إنجاز مهمة التعبير بشروط الميديا.
ذلك الإصرار على تسجيل الدخول في نادي الرواية التفاعلية يستلزم بالدرجة الأولى إقامة الصلة بين قيم الحداثة والأدب الرقمي، بمعناه وتجلياته الواسعة المتعددة. ولذلك لا يمكن اعتبار ذلك الاندفاع الصريح باتجاه كتابة النص العنكبوتي المتمادي في توظيف إمكانيات اللحظة الاتصالية سوى حالة من التطواف التهويمي حول مكتسب تكنوثقافي لا يهب مقدراته لكل من أراد أن يتمسح به. فما يحدث عربياً ليس أكثر من مراودات تجريبية ناحية رقمنة النصوص للحاق بالعصر التكنوتروني، باعتماد الوسائط البديلة والوسائط الثورية المعارضة. وفي أفضل الحالات، هو لهاث وراء لافتات موت الكتاب الورقي. كالشعار الذي رفعته كاثرين هاريس في كتابها «الثقافة الرقمية: موت ثقافة الطباعة»؛ أي تحقيق نصاب أدبي إلكتروني بأقصى سرعة ريادية ممكنة.
نظرية الجنس أو اللون الأدبي لا تنتج إلا عبر مخاضات تجريبية عسيرة، وضمن وفرة إنتاجية يمكن اختبار مسطرة النظرية عليها. ولذلك يبدو من الخفة واللاعلمية إطلاق صفة الرواية التفاعلية على كل تلك المنتجات الأدبية الرقمية التي تعاني من عدم الاستواء، المرّحلة على مستوى المضمون من الوعي التقليدي، القابلة من الوجهة التقنية للاستقرار في المهاد الورقي، إذ لا يمكن للتوتر الناشئ بين الرواية التفاعلية كنصٍ رقمي وما قبلها أن يتشكل في مدارات خارج شروط الحدث التكنوتروني، وبالتالي لا يمكن التسليم باستواء المصطلح، أو حتى تبيئته خارج مستوجبات التلقي التفاعلي الرقمي، لأن إنتاج نص افتراضي داخل عالم افتراضي يقتضي تأسيس خطاب داخل ذلك النص يتناسب بالضرورة مع واقع المتصفح الكوني الذي يعادل القارئ الضمني في الأدبيات القديمة.
ومن هذا المنطلق، يمكن النظر إلى الخيبة النقدية المتمثلة في كثافة الحضور وقلة الأداء إزاء مصطلح ومنجز الرواية التفاعلية، إذ لا وجود لمنتجات روائية ذات قيمة يمكن الاختلاف بها وعليها، وبالتالي لا يمكن للنقاد المتبارين في الملتقيات إلا التطواف اليائس أيضاً حول المصطلح والمشتبهات الروائية، وأحياناً التنظير من منطلق التبشير بإمكانية استنبات الرواية التفاعلية في المشهد الثقافي العربي، فيما يشبه التمارين الإحمائية استعداداً لما قد يظهر من تباشير روائية، لأن الروايات التفاعلية، باعتبارها منتجات رقمية، يفترض أنها منقطعة تاريخياً وإجرائياً وأدائياً عما قبلها، لدرجة أن سعيد بن كراد أغلق الطريق أمام العبث الإلكتروني بمجمله، ووصف الأدب الرقمي بالجماليات المستحيلة، حين قال «باستحالة جماليات رقمية تقدم للعين أجمل مما يقوله اللفظ».
الرواية التفاعلية سليلة النص الإلكتروني، الذي هو قرين الديمقراطية، بالنظر إلى أن الاتصال ذاته وثيق الصلة بالنزعة الليبرالية، وهو ما يعنى أن الرواية التفاعلية المفترض أن تُنتج عربياً لا بد أن تتولد من خلال حاضنات ذات طابع سياسي واجتماعي، وليس عبر منظومة من الألفاظ والقوالب التحرُّرية المستعارة. فالثورة في عالم الميديا تؤدي إلى انقلاب مفاهيمي وأدائي تعبيري داخل المجتمع. وإذ لا يمكن لنص إلكتروني أن يفارق بنيته، يصعب تصور رواية تفاعلية عربية تنتسب للمابعدية بقفزة في الهواء، أو لمجرد الرغبة في التجريب، لأن الذات المنتجة لها تتحرك في مدارات اتصالية ضيقة، كما أنها تفتقر إلى شرط الاغتراب، بمعناه الفلسفي.
الأدبيات الإلكترونية، بمعانيها التشعبية والرقمية والتفاعلية، لا يمكن اختصارها في معركة الصراع ضد الورقي، ولا في المزاوجة الصورية بين الأدب والتقنية، لأنها مغامرة متجاوزة تحتم تحويل مجمل النشاط الفني والأدبي إلى نشاط اجتماعي إعلامي يقوم على الإعلام والتحريض وتحطيم الحدود بين أشكال التعبير والحواس كافة، لملاقاة شروط الكتابة متعددة الأشكال والسرد البصري، وهذا ما تقترحه الثقافة الإلكترونية؛ أي استيلاد نص مفتوح النهايات يتأتى من مدارات ما بعد الحداثة، بما هي نتاج الحياة الصناعية والتقدم التكنولوجي الجارف الذي يتبأر في مجال ثورة المعلومات وطفراتها الهائلة، ورفض محدودية وقداسة الأنساق الفكرية المغلقة. وهو نصاب أدبي يبدو مستعصياً في اللحظة الراهنة، إذ يعجز حتى الخطاب النقدي عن استجلاب نماذج غربية للرواية التفاعلية لتدارسها وتوطينها في المشهد الثقافي العربي.

- ناقد سعودي



ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
TT

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)
عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ازدهرت ألحان وألوان من الموسيقى السعودية على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية، وشارك 100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، في رسم لوحة جمالية، جمعت التراث بالثقافة وعذوبة المفردة الموسيقية السعودية.

وعزفت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي، أجمل الألحان الموسيقية في ليلة استثنائية كان الإبداع عنوانها، وقدمت التراث الغنائي السعودي وما يزخر به من تنوع على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى، وعدد من المسؤولين ورجال الأعمال والإعلام وحضور جماهيري كبير.

‏وبدأت الليلة السعودية في اليابان، بجمالية الاستقبال بالقهوة السعودية لجمهور حفل روائع الأوركسترا السعودية في طوكيو، قبل أن ينطلق العرض الموسيقي الذي افتتحه باول باسيفيكو الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى بالسعودية، وقال في كلمته خلال الحفل، إن النجاحات الكبيرة التي حققتها المشاركات السابقة لروائع الأوركسترا السعودية في العواصم العالمية، عازياً ما تحقق خلال حفلات روائع الأوركسترا السعودية إلى دعم وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى.

100 موسيقي ومؤدٍ من الأوركسترا والكورال الوطني السعودي شاركوا في الليلة الختامية (واس)

وعدّ باسيفيكو «روائع الأوركسترا السعودية» إحدى الخطوات التي تسهم في نقل التراث الغنائي السعودي، وما يزخر به من تنوع إلى العالم عبر المشاركات الدولية المتعددة وبكوادر سعودية مؤهلة ومدربة على أعلى مستوى، مشيراً إلى سعي الهيئة للارتقاء بالموسيقى السعودية نحو آفاق جديدة، ودورها في التبادل الثقافي، مما يسهم في تعزيز التواصل الإنساني، ومد جسور التفاهم بين شعوب العالم عبر الموسيقى.

وبدأت «الأوركسترا الإمبراطورية اليابانية - بوغاكو ريو أو» بأداء لموسيقى البلاط الإمبراطوري الياباني، وهي موسيقى عريقة في الثقافة اليابانية، توارثتها الأجيال منذ 1300 عام وحتى اليوم. وأنهت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي الفقرة الثانية من الحفل بأداء مُتناغم لـ«ميدلي الإنمي» باللحن السعودي، كما استفتحت الفقرة التالية بعزف موسيقى افتتاحية العلا من تأليف عمر خيرت.

حضور جماهيري كبير شهدته ليلة "روائع الأوركسترا السعودية" على مسرح "طوكيو أوبرا سيتي" (واس)

وبتعاون احتفى بالثقافتين ومزج موسيقى الحضارتين، اختتم الحفل بأداء مشترك للأوركسترا السعودية مع أكاديمية أوركسترا جامعة طوكيو للموسيقى والفنان الياباني هوتاي، وبقيادة المايسترو هاني فرحات، عبر عدد من الأعمال الموسيقية بتوزيع محمد عشي ورامي باصحيح.

واختتمت هيئة الموسيقى «روائع الأوركسترا السعودية» الجمعة، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة الموسيقى، في جولتها الخامسة بعد النجاحات التي حققتها في 4 محطات سابقة، حيث تألقت في كل جولة بدايةً من باريس بقاعة دو شاتليه، وعلى المسرح الوطني بمكسيكو سيتي، وعلى مسرح دار الأوبرا متروبوليتان في مركز لينكون بمدينة نيويورك، وفي لندن بمسرح «سنترال هول وستمنستر».

اروقة مسرح "طوكيو أوبرا سيتي" اكتضت بالحضور منذ وقت مبكر (هيئة الموسيقى)

وتعتزم هيئة الموسيقى في السعودية استمرار تقديم عروض حفلات «روائع الأوركسترا السعودية» في عدة محطات، بهدف تعريف المجتمع العالمي بروائع الموسيقى السعودية، وتعزيزاً للتبادل الثقافي الدولي والتعاون المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تتقاطع مع مستهدفات هيئة الموسيقى.