«موديز» تخفض التصنيف الائتماني للبنان

الإصلاحات وإلا... فمزيد من التخفيض

TT

«موديز» تخفض التصنيف الائتماني للبنان

وكأن الدولة اللبنانية اعتادت على المضمون السلبي لتقارير مؤسسات التصنيف الائتماني، ففي بداية العام الحالي وتحديداً في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت مؤسسة «موديز» تقريرها الائتماني، مخفضة تصنيف لبنان الائتماني من b3 إلى caa1. مع نظرة مستقبلية مستقلة. وعلّلت «موديز» تقريرها بالتأخر في تشكيل الحكومة، آنذاك، وما ينتج عن ذلك من تعذّر المضي قدماً في الإصلاحات المطلوبة من الدولة اللبنانية، وعلى رأسها السيطرة على الدين العام، وإيجاد حل لتخفيض العجز في الموازنة، الذي يؤدي إلى ازدياد مخاطر السيولة وتهديد الاستقرار المالي. ومن ثم ضرورة معالجة انكماش العجلة الاقتصادية نتيجة غياب الاستثمارات، وتراجع الميزان التجاري، وعجز في ميزان المدفوعات يتفاقم وبشكل سريع، نتيجة خروج الودائع والدولار من البلاد، في ظل غياب التدفقات المالية.
لكن الدولة لم تقم إلا بتشكيل الحكومة وإقرار موازنة 2019. وطبعاً كان هذا الإقرار في سباق مع الوقت، لتدارك ما ستحمله تقارير كل من وكالات التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» (أبقت على تصنيف لبنان عند مستوى B - ) و«موديز» (صنفت لبنان عند مستوى c)، بينما خفضت «فيتش» التصنيف إلى CCC.
التقارير الثلاثة، وتقرير لجنة المراجعة لـ«موديز» قررت الإبقاء على التصنيف الحالي CAA1)، وفي المقابل وضعت تصنيف لبنان قيد المراقبة وباتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر ما لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي. كل هذا جاء على وقع تأزم الأوضاع السياسية في البلاد، والعقوبات الأميركية المفروضة على شخصيات ومصرف متعامل مع «حزب الله»، وأزمة نقد حاصلة للمرة الأولى في البلاد. ولقد تمثلت الأزمة في شح الدولار، وما سببه من دخول السوق الموازية إلى سوق القطع، بحيث أصبح للدولار سعران هما سعر صرف رسمي هو المثبت عند 1507 بحسب مصرف لبنان، وتؤمن العملة الصعبة على أساس هذا السعر للسلع الاستهلاكية الأساسية (القمح والأدوية والمحروقات)، وسعر صرف آخر خاضع للعرض والطلب في سوق الصيارفة أو السوق الموازية.
جهاد الحكيّم، الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الاستثمار، اعتبر أن السبب وراء التصنيف الائتماني الحالي، هو العجز الكبير في ميزان المدفوعات، وصعوبة التمويل الخارجي، بعد تدني التدفقات المالية نتيجة انخفاض الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتحويلات المغتربين، بالإضافة إلى العجز في الموازنة، وتفاقم وارتفاع مستوى الدين العام بوتيرة متسارعة. وفي هذا الإطار، تتعاطى الأسواق المالية العالمية من منطلق أن أي تصنيف ائتماني على المدى القريب، لن يكون له تأثير كبير.
«فيتش» ستعيد، مراجعة التصنيف بعد ثلاثة أشهر، إذا قيمت لبنان على مستوى CCC، أما «موديز» فصنفت لبنان عند خانة Caa1 وهو تصنيف أعلى من تصنيف «فيتش»، وأما «ستاندرد آند بورز» فأدرجت لبنان عند - B وهي درجة أعلى من التي منحته إياها عام 2008. ويتابع الحكيّم قائلاً إن «الوضع اليوم يحتاج لمجهود، لإعادة تعديل درجات التصنيف إلى مستويات أفضل مما كانت عليه، فهو يتطلب جدية في نيّة الإصلاح ووقف الهدر والفساد، والتهرب الضريبي والجمركي، وتخفيض نسب الفوائد، وعجز الموازنة، لا سيما من خلال خصخصة كهرباء لبنان على سبيل المثال، وغيرها من الخدمات بطريقة شفافة، وهذا بعد إقرار قانون المنافسة، وخلق بيئة محفزة للاستثمارات. كل هذه العوامل من شأنها أن تساعد في تحسين تصنيف لبنان الائتماني».
في السنوات السابقة، ورغم ما مر به لبنان، فإن الظروف العالمية والإقليمية، لعبت دوراً إيجابياً لصالحه، وتمكن من تعديل تصنيفه الائتماني. ففي عام 2008، وفق الحكيّم، أدرجت «ستاندرد آند بورز» لبنان عند +CCC. ولكن سهولة إعادة تعديل التصنيف الائتماني كانت أفضل في عام 2008، الذي شهد عدة أحداث عالمية انعكست إيجاباً على السوق المحلية اللبنانية. ونذكر من هذه الأحداث، الأزمة المالية أو أزمة العقارات في أميركا وارتفاع أسعار النفط، حين بلغ سعر البرميل أكثر من 147 دولارا. هذا عزّز التدفقات المالية على لبنان، وظهرت جلية في ميزان المدفوعات، الذي سجل يومها، فائضاً وصل إلى 3.462 مليار دولار. وفي عام 2009 وصل الفائض في ميزان المدفوعات إلى 7.899 مليار دولار، ثم في عام 2010 بلغ 3.324 مليار دولار. أما اليوم وخلال سنة واحدة فقد وصل العجز في ميزان المدفوعات إلى حد غير مسبوق، في تاريخ لبنان وفاق الـ10.4 مليار دولار.
وفي حال خفضت «موديز» تصنيفها من Caa1 إلى Caa2. تكون بذلك قد لاقت «فيتش» وتصنيفها عند مرتبة CCC، أي أن كلا منهما وضعت لبنان بخانة معاناته لمخاطر «ديون سيادية مرتفعة جدا»، أما «ستاندرد آند بورز» فتضع لبنان عند خانة - B، أي أنه يعاني من مخاطر «ديون سيادية مرتفعة».
وعزى الحكيّم «إلى طريقة الاحتساب والمنهجية المختلفة كلياً» الفارق ما بين أرقام مصرف لبنان المركزي، بما يخص مستوى الاحتياط بالعملات الأجنبية البالغ 38.5 مليار وتقدير «موديز» للاحتياطات القابلة للاستعمال لدى المصرف. وتجدر الإشارة إلى أن تقدير الوكالة يتراوح بين 6 إلى 10 مليارات دولار، للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار المالي اليوم. مع الإشارة إلى أن مصرف لبنان بحسب «موديز»، سخر ما لديه من احتياطات منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، لتلبية احتياجات الحكومة في ظل تدهور ميزان المدفوعات أكثر خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية.



الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.