• السودان (2019)
• تقييم: ★★★★
على الرغم من أن الأفلام القصيرة السابقة التي حققها أمجد أبو العلا، ونال عنها جوائز في مهرجاني لا شيء منها كان نبوءة فعلية للنتيجة الرائعة التي الخليج ودبي، كانت جيدة وتشي بموهبة متحفزة، إلا أن أنجزها المخرج في فيلمه الأول.
مثل أورسن وَلز وجون هيوستن وشادي عبد السلام وسواهم كثيرون أجادوا صنع الفيلم الأول، يبلور المخرج السوداني خطوته على أفضل وجه. يختار موضوعاً عن قصة حمّور زيادة «النوم عند سفح الجبل» ويعمل بمنأى عن كل هفوة متوقعة لمخرج يضع قدمه في الماء متلمساً خطوته الأولى.
هذا التلمس شبيه بالمشهد الذي نجد فيه بطله مزمل (مصطفى شحاتة) يجرّب ماء النيل لأول مرة بقدميه متردداً في خطواته.
النيل هو الحياة التي لم يغتمرها بعد. خائف منه ومن الحياة ذاتها ولديه عذر مهم: حين وُلد طفلاً أخذته والدته سكينة (إسلام مبارك) إلى إمام القرية ليبارك مولده. حسب طقوس يقوم صوفي بإحصاء السنين وهو يتمايل ويسقط من التعب أرضاً وقد وصل إلى الرقم 20. سكينة وأهل القرية والشيخ ذاته سكنتهم قناعة تامّة بأن الطفل مزمل سيموت في العشرين.
هذا الإيمان طغى على حياة العائلة. الزوج هاجر لتوّه هرباً من الواقع الافتراضي الذي سيعايشه إذا ما بقي، والأم طوّعت نفسها على الرعاية بابنها منتظرة موته حين يصبح في العشرين من العمر.
يمر الفيلم على بضع مراحل من حياة مزمل، ويتوقف مليّاً عند السنوات القليلة السابقة لليوم الذي من المتوقع أن يموت فيه الشاب. لن أفصح عن كيف أنهى المخرج فيلمه، لكني أستطيع الجهر عن مراحل تسبق تلك النهاية: مزمل يجد في شخص رجل غير ملتزم اسمه سليمان (محمود ميسرة السراج) بديلاً عن أبيه الغائب. يكتفي قبل وخلال ذلك بالحياة حسب نبوءة موته. لا مغامرات. لا علاقة عاطفية.
لا سباحة في النهر ولا رحيل عن القرية حتى ولو في سفر قريب. فقط عند عودة أبيه التي تسبق موت سليمان بأيام يدرك مزمل أنه يحتاج لكي يموت إلى أن يعيش أولاً.
ينجز المخرج فيلمه هذا بعناية فائقة. كل لقطة تساوي الجهد المبذول لإتمامها على النحو الذي تظهر فيه وأكثر. التمثيل (من ممثلين غير معروفين خارج السودان) متكامل الصفات. حوار يطرح الأسئلة مباشرة وكتابة تجيب عنها إيحاءً. وإخراج يضع السينما اختياره الأول مبدياً لغتها على لغة الموضوع ذاته.