الأزهر ردا على خطط تركية لمنافسته: كل من حاول النيل منا فشل فشلا ذريعا

مصدر تركي لـ «الشرق الأوسط» يؤكد أن المشروع ليس بديلا.. ورئيس مديرية الشؤون الدينية ينتقد دور الأزهر

الازهر الشريف
الازهر الشريف
TT

الأزهر ردا على خطط تركية لمنافسته: كل من حاول النيل منا فشل فشلا ذريعا

الازهر الشريف
الازهر الشريف

قلل عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء في مصر (أعلى هيئة دينية في الأزهر) من تلميحات رئيس مديرية الشؤون الدينية التركي الدكتور محمد غورماز، إلى أن تركيا تفكر في إنشاء جامعة إسلامية دولية في إسطنبول، مشابهة لجامعة وجامع الأزهر الشريف في مصر، وقال الدكتور محمود مهني، عضو الهيئة، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أمس: «لقد حاول البعض النيل من الأزهر في السابق، وفشل فشلا ذريعا»، لافتا إلى أن «الأزهر جامعة إسلامية كبرى لها تاريخها العريق ولها رجالها الأفذاذ. والأزهر، الذي تريد تركيا أن تجعل له مثيلا، قاوم الاستعمار منذ مئات السنين، وقاوم علماؤه الاستبداد والعنف والإرهاب، لا من الشعوب الظلمة تحديدا؛ بل من الحكام الظالمين والاستعمار الغربي».
وكانت تركيا أعلنت أمس نيتها إنشاء جامعة للعلوم الدينية تهدف إلى تخريج رجال الدين، في ضوء تدهور العلاقة بين تركيا ومصر التي تحتضن «الأزهر الشريف»، أكبر المراكز الدينية الإسلامية في المنطقة.
وفيما أكد مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع «لا يعد بديلا عن الأزهر»، عادا إنشاء المركز «تطورا طبيعيا» - وجه رئيس مديرية الشؤون الدينية «ديانت» البروفسور محمد غورماز انتقادات لاذعة للأزهر الذي «لم يعد يفي بتطلعات الأمة الإسلامية». وقال لمجموعة من الصحافيين في مكة المكرمة، إن المديرية تقدمت إلى مجلس التعليم العالي في تركيا (YÖK) بطلب لفتح جامعة إسلامية. وكشف عن خطة لتحويل جامعة 29 مايو (أيار) في الجامعة الإسلامية العالمية إلى مركز لها، عادا الجامعات الإسلامية في مصر وباكستان وإيران وماليزيا كانت «عاجزة عن إيجاد حلول للمشاكل في العالم الإسلامي». وقال: «المشكلة الرئيسة اليوم هي أن المسلمين جلبوا المعاناة والعنف والحزن بعضهم لبعض... ونحن سنسعى من أجل إيجاد حلول سلمية لهذه المشاكل». وأشار غورماز إلى أن الهدف من الجامعة الجديدة هو التواصل مع كلية اللاهوت في قرغيزستان، وكازاخستان، وأذربيجان، ومركز جامعة فرانكفورت غوته البحوث الإسلامية، وكلية أصول الدين الإسلامي في جامعة ستراسبورغ، والمعهد الإسلامي العالي في صوفيا.
وقال: «لقد جرى العمل على هذه القضية لمدة 3 سنوات، ونرى أن المناهج الدراسية في هذه الجامعات لا تساعد في توفير حلول لمشاكل المسلمين. العلماء الذين يتخرجون في هذه الجامعات أصبحوا المشكلة بحد ذاتهم، بدلا من حل المشاكل». وأضاف: «تهدف الجامعة الإسلامية العالمية في إسطنبول إلى توفير التعليم باللغة الإنجليزية والعربية والتركية والفارسية، وسيكون لها مهمة دعم هذه الجامعات بدلا من أن تصبح بديلا لها». ورأى أن «هذه الجامعة ستخرّج علماء يتفهمون مطالب الشعب، لأن علماء الأزهر الآن بدلا من أن يكون علماء دين لحل معضلات الشعب أصبحوا جزءا من المشاكل التي يعانيها المظلومون».
ونقلت صحيفة «يني شفق» اليومية التركية، الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، قوله خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر إدارة الحج التركية بمكة المكرمة: «إن هذه الجامعة مهمة من أجل الإنسانية، فسيكون العلماء الذين سيتلقون العلم بهذه الجامعة في خدمة الأمة، ولن يكونوا مصدر مشكلات، بل سينتجون حلولا لها».
وفي القاهرة، عقب عضو بهيئة كبار العلماء، فضل عدم ذكر اسمه، على الإعلان التركي قائلا: «أخشى أن يكون ما ذكره رئيس هيئة الشؤون الدينية التركي، مجرد كلام وقتي بسبب التوتر الذي تمر به العلاقات المصرية - التركية»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: أنه «عقب أن تنتهي الأزمة بين البلدين كأن الكلام لم يكن من الأصل».
ورجح عضو الهيئة أن يكون سبب حديث رئيس هيئة الشؤون الدينية عن هذا الموضوع في ذلك الوقت بالتحديد، هو طمأنة الشعب في تركيا وخاصة طلابها الذين يدرسون في الأزهر بالقاهرة، وكذا طمأنة المصريين الموجودين هناك خاصة أنصار جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس الأسبق محمد مرسي، والموجودين حاليا في إسطنبول، بعد أن هربوا من مصر عقب سقوط حكم «الإخوان» في 3 يوليو (تموز) من العام الماضي.
وأضاف غورماز خلال المؤتمر الصحافي: «لقد فتحت رئاسة هيئة الشؤون الدينية التركية عددا من الكليات في دول العالم المختلفة، عن طريق التوقيع على بروتوكولات ثنائية مع هذه الدول، ونحن الآن نريد أن نجمع هذه الكليات تحت سقف هذه الجامعة التي نفكر في تأسيسها، ونخطط لأن يجري تدريس المناهج باللغات الإنجليزية، والعربية، والفارسية». لكن عضو «كبار العلماء» بالأزهر الدكتور مهني، خاطب غورماز، قائلا: «اعلم أن للأزهر ربا يحميه وأن لمصر ربا يحميها.. وسيظل الأزهر رائدا للعلم والعلماء في أنحاء العالم».
وضرب الدكتور مهني مثلا بنابليون بونابرت، قائلا: «عندما استمر في مصر بعض السنين أقلقه الشعب المصري بقيادة علماء وطلاب الأزهر، فخرج ليلا من البلاد يجر العار، فقيل له: لماذا هربت من مصر؟ قال: أخرجني ورثة محمد؛ أي علماء الأزهر».
وتابع بقوله: «افعل ما تفعل يا رئيس تركيا ويا رئيس هيئة الشؤون الدينية التركي، ونحن لا نقول لك إلا: افعل كما تشاء، فإن الأزهر أزهر، ومصر هي مصر».
ويعد الجامع الأزهر من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة، وقد أنشئ على يد جوهر الصقلي عندما بنى القاهرة عام 970م، ويعد المسجد ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين في تونس.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.