مظاهرات بلا قيادة... أول تحدٍ للنظام الجديد في العراق بعد صدام حسين

من مظاهرات العراق (أ.ب)
من مظاهرات العراق (أ.ب)
TT

مظاهرات بلا قيادة... أول تحدٍ للنظام الجديد في العراق بعد صدام حسين

من مظاهرات العراق (أ.ب)
من مظاهرات العراق (أ.ب)

انطلقت الشرارة الأولى للمظاهرات في العراق عام 2011 بتأثير ما عرف بـ«الربيع العربي». وكان الحراك المدني هو من وقف خلف تلك المظاهرات التي خشيت منها حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق الثانية نوري المالكي. كانت الحكومة منحت كأولى نتائج تلك المظاهرات 100 يوم لتقييم أدائها، وذلك من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي لم يكن قد دعا في وقتها لأي مظاهرات. وبالقياس إلى نشوء النظام السياسي في العراق الجديد بعد سقوط صدام حسين عام 2003 فإن العراقيين انتظروا نحو 8 سنوات قبل أن يفكروا بالاحتجاج عبر التظاهر بوصفه إحدى وسائل الاحتجاج الشعبي، الذي كفله الدستور العراقي. لم تحقق مظاهرات الحراك المدني أياً من النتائج التي طالبت بها. فالعملية السياسية التي بنيت بعد 2003 على المحاصصة السياسية والعرقية بقيت كما هي، بل ازدادت تجذراً بعد أن باتت معظم القوى السياسية تملك المال والنفوذ، بعد أن كان بعضها يعتمد على الخارج في تمويل أنشطته. صحيح أن المال السياسي بقي أحد وسائل التأثير في الانتخابات التي تجرى كل 4 سنوات في البلاد ويتم خلالها تبادل السلطة سلمياً، لكن وسائل الاستحواذ على السلطة ازدادت اتساعاً مع اتساع مزايا ومكتسبات الطبقة السياسية بكل مكوناتها. الهزة داخل الكتل السياسية حصلت خلال انتخابات عام 2018 التي لم يجدد فيها لرئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بولاية ثانية، بخلاف سلفه نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق الذي حظي بولايتين. تمثلت الهزة السياسية بحصول تغييرات أساسية داخل البيوت المكوناتية العرقية - الطائفية (الشيعية - السنية - الكردية). ونتج عن ذلك تشكيل تحالفين «الإصلاح» و«البناء»، الذي كانت نتيجة توافقات هشة بين كتلتين، منه «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، أن جيء بالمفكر الاقتصادي عادل عبد المهدي رئيساً توافقياً للوزراء. كانت قد جرت منذ عام 2015 حتى 2018 مظاهرات حاشدة، وكان أبرز من يقوم بها التيار الصدري، بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، الذي تمكن من تحشيد مئات الآلاف من التابعين له، يليه في ذلك تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي خرج إلى المعارضة كلياً، ومن ثم الحراك المدني، فدولة القانون بزعامة نوري المالكي.
لكن ما حصل بدءاً من أول من أمس نمط مختلف من الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة التي ربما فاقت بعض ما كانت تقوم به قوى وتيارات من داخل الطبقة السياسية. فهذه الاحتجاجات التي سقط فيها خلال يومين قتلى وجرحى، ليست لها قيادة واضحة وبدت بعض سقوف مطالبها مرتفعة، تصل حد إسقاط النظام. هذا النمط الجديد من الاحتجاج الشعبي غير المسبوق أدى إلى ارتباك واضح في أداء الطبقة السياسية العراقية التي تعودت على احتجاجات من داخلها. بينما اليوم تواجه شبه تحدٍ مجتمعي غير مسبوق، مادته الأساسية شبان دون سن العشرين. المطالبات بدت مختلفة داخل الطبقة السياسية من تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي كاستراتيجية مطلوب الإسراع في تنفيذها، إلى تنفيذ أحكام الإعدام بالإرهابيين الذين هم في السجون العراقية، في وقت يطالب المتظاهرون بالماء والخبز وفرص العمل، وليس بإعدام الإرهابيين أياً كانت المبررات. الناشط المدني حسين الساهي يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة تكمن في أن مطالب المتظاهرين ذات سقوف عالية، بينما الإمكانات على أرض الواقع تبدو محدودة»، مبيناً أن «الأمر يحتاج إلى عقلاء وحكم رشيد، من أجل استيعاب هموم وتطلعات الشباب، وبخلاف ذلك فإننا ذاهبون إلى المجهول».
من جهته، يرى القيادي في «دولة القانون» سعد المطلبي أنه «ينبغي العمل على تعطيل الدستور وإلغاء النظام البرلماني وتحويله إلى (رئاسي) لحل أزمة المظاهرات والسخط الشعبي»، مبيناً أن استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين تسبب في فقدان الثقة بين القوات الأمنية والمواطنين. ويضيف المطلبي أنه «بغضّ النظر عن دوافع والأيادي التي حركت المظاهرات إلا أنها أظهرت حاجة الشاب العراقي إلى تغيير نظامه، كونه لم يحصّل من النظام السياسي أي شيء». وأشار إلى أن «استخدام العنف المفرط والرصاص الحي دون تفكير بحاجة المواطن، زادت من حدة الأزمة وتسببت في رفع سقف المطالب لجميع المتظاهرين». ويرى المطلبي أن «الحل الراهن هو الإعلان عن تعطيل الدستور والعمل على إلغاء النظام النيابي واستحداث برنامج لتحويل النظام برمته إلى رئاسي، عبر انتخابات شفافة ونزيهة».
على صعيد متصل، فإن هناك توجهاً للذهاب إلى رئيس الجمهورية من أجل تنفيذ أحكام الإعدام بالإرهابيين القابعين في السجون منذ سنوات. وقال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بدر الزيادي، عن نية مجلس النواب تشكيل وفد مشترك من لجنتي حقوق الإنسان والأمن والدفاع البرلمانيتين لزيارة رئيس الجمهورية برهم صالح، بغية الإسراع بتنفيذ أحكام الإعدام بحق المجرمين الصادرة بحقهم أحكام قطعية منذ سنين، ولم يتم تنفيذها. وقال الزيادي في تصريح، أمس (الأربعاء)، إن «هناك وفداً مشتركاً سيتم تشكيله من لجنتي حقوق الإنسان والأمن والدفاع لزيارة رئيس الجمهورية لغرض إيصال رسالة بدعمنا إجراءات تطبيق العدالة والإسراع في تنفيذ أحكام الإعدام»، معتبراً أنه «من غير المعقول أن يكون لدينا آلاف المعتقلين ممن صدرت بحقّهم أحكام إعدام دون تنفيذ».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.