بعد أربع سنوات على بدء روسيا تدخلها العسكري في سوريا، يتمتع الجنود الروس بحياة مرفهة في قاعدتهم الرئيسية في مدينة طرطوس الساحلية، ولا شيء يوحي بأن هذه الإقامة لن تكون طويلة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ويتوالى تدريجياً الإعلان عن سحب روسيا لقوات وخفض ملحوظ لعملياتها، من دون أن يؤثر ذلك على وجودها على المدى الطويل في سوريا، والذي يبدو مستمرًا.
في طرطوس، كما في قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية المجاورة، يرسّخ الجيش الروسي حضوره ولا يمانع عرض منشآته أمام مجموعة من الصحافيين، بينهم فريق من وكالة الصحافة الفرنسية، تمت دعوتهم لزيارة سوريا.
ويمكن للجنود الروس ارتياد قاعات الرياضة وحمام الساونا والمخابز ومصبغة الملابس، وكذلك كنيسة صغيرة أرثوذكسية.
ويقول ضابط روسي فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالتصريح للصحافيين، إن لدى الجنود «كل وسائل الراحة اللازمة».
ويشير ضابط روسي إلى نباتات صغيرة مزروعة داخل حديقة في القاعدة البحرية، ويقول بثقة: «سيكون أمامها الوقت الكافي لتنمو».
وبات الجنود الروس يظهرون علناً، على غرار دوريات الشرطة العسكرية التي تجوب شوارع المدن السورية، وكذلك «المستشارون» الذين يتجولون أمام عدسات وسائل الإعلام أثناء تدريبهم لكتيبة النخبة التابعة للجيش السوري قرب دمشق.
وفق إحصاءات رسمية، ينتشر ثلاثة آلاف جندي روسي في سوريا، بالإضافة إلى طائرات ومروحيات وسفن حربية وغواصات أخرى، وتوفر أنظمة دفاع جوي حديثة من طراز «إس 400» الحماية لمنشآتهم.
وباتت قاعدة حميميم الروسية، التي أقيمت على عجل على أطراف مطار مدني، قاعدة دائمة بدءاً من عام 2017، وحدث الأمر عينه في طرطوس؛ حيث تحولت هذه المنشأة التابعة للبحرية الروسية والواقعة على المرفأ إلى «قاعدة بحرية دائمة».
وأتاح تدخل سلاح الجو الروسي منذ نهاية سبتمبر (أيلول) 2015 في النزاع السوري، ترجيح الكفة لصالح دمشق، وتمكنت قوات النظام من إحراز تقدم واسع على حساب الفصائل المقاتلة، واستعادت السيطرة على مساحة كبيرة من البلاد.
وتحظى موسكو في الموقعين بعقدي إيجار لمدة 49 عاماً، ما سيرسّخ حضورها في الشرق الأوسط ويمكنها من ممارسة نفوذها خصوصاً في مواجهة الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واضحاً بقوله في 2018 إن «الروس سيبقون في سوريا ما دامت موسكو ترى مصلحة في ذلك»، وأعاد نجاحه في سوريا تموضع روسيا بشكل واضح كلاعب رئيسي في المنطقة.
على المستوى العسكري، أتاحت الحرب السورية، التي تداول على المشاركة فيها 63 ألف عسكري روسي، اختبار روسيا لقواتها ولأسلحة متقدمة على غرار صواريخ «كاليبر» والقاذفات بعيدة المدى ضمن ظروف حقيقية.
وعبر تنفيذ نحو 100 طلعة جوية يومياً في أحلك ظروف الحرب، تمكن نحو تسعين في المائة من طياري الجيش الروسي من اكتساب خبرة قتالية.
ولتحقيق استقرار النظام السوري وضمان استمرار وجوده، يتوجب على روسيا أن تواجه ملف إعادة الإعمار الشائك، والذي قدرت الأمم المتحدة العام الماضي كلفته بأكثر من 400 مليار دولار.
ولا تؤتي الجهود المبذولة في الكثير من المدن ثمارها في الوقت الحالي، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على دمشق وإحجام المجتمع الدولي عن تمويل فترة ما بعد الحرب بسبب عدم إحراز تقدم حقيقي نحو حل سياسي للنزاع المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات.
ففي حلب، ثاني أكبر مدن سوريا التي دمرتها الحرب، أتاح الدعم الروسي عبر توفير أسلاك الضغط العالي والأنابيب إعادة التغذية بالكهرباء وتوفير المياه للمنازل، لكن لا تزال الأحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة غارقة في الدمار.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العملية السياسية التي بدأت مع تشكيل لجنة دستورية مؤخراً، قادرة على حسم مسألة مستقبل بقاء الأسد، الذي تطالب أطراف محلية ودولية برحيله.
كما أن محافظة إدلب (شمال غرب)، التي تسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر منها، تخضع لاتفاق هشّ بين موسكو وأنقرة، يقضي بوقف لإطلاق النار، لتجنيبها هجوماً دموياً من قبل النظام السوري، إلا أنه لا يمكن ضمان استدامة الوضع الراهن حالياً.
في المحصلة، يعتبر ملاشينكو: «إنه ما من مخرج أمام روسيا، لديها تكتيك جيد ولكن من دون أي استراتيجية»، معرباً عن اعتقاده أنها تعرف ما ستكون عليه «الخطوة المقبلة ولكن لا أحد يعلم ما سيحصل بعد ذلك».
قاعات رياضة وحدائق... «رفاهية» الجنود الروس في سوريا توحي بـ«إقامة طويلة»
قاعات رياضة وحدائق... «رفاهية» الجنود الروس في سوريا توحي بـ«إقامة طويلة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة