مصارف لبنان تنتظر«موازنة عجائبية»

رئيس جمعيتها يقترح وقف دعم الكهرباء ولو أدى إلى «العتمة»

TT

مصارف لبنان تنتظر«موازنة عجائبية»

يرفض رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، الحديث عن احتمالات انهيار مالي في لبنان، تماماً كما يرفض فكرة البديل عن الإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي هذا الانهيار. فالإجراءات حتمية، والجميع يعرف خريطة الطريق إليها لوقف «النزيف» القائم في المالية العامة.
ويؤكد صفير أن «لا أزمة دولار في السوق اللبنانية، بل أزمة ثقة ناجمة عن حالات الخوف التي تساهم فيها بعض تصريحات المسؤولين». ويرى أن القرار الذي أخذه حاكم مصرف لبنان لتأمين السيولة للمواد الأساسية سيكون بمثابة «حبة أسبرين» يدوم مفعولها شهوراً قليلة، إذا لم يتم إعطاء المالية العامة العلاج الشافي.
المعادلة بنظر المصارف اللبنانية لإنقاذ الوضع المالي واضحة، ولا تحتاج إلى مذكرات ترفع للمسؤولين مليئة بالاقتراحات، فهؤلاء، كما يقول صفير: «يعرفون تماماً القرارات الواجب اتخاذها، وما عليهم سوى جرأة الإقدام على القرار، لأن عدم اتخاذه اليوم يعني أننا سنجبر لاحقاً على اتخاذه من دون المفاعيل الإيجابية نفسها».
ولم ترفع المصارف أوراقاً إلى المسؤولين، فقد سبقها إلى ذلك البنك الدولي ومؤسسات التصنيف العالمية التي ذكرت الحلول في تقاريرها. يقول صفير إن «الأمل الكبير للبنان هو موازنة 2020 التي ستحدد معالم المرحلة المقبلة، وهذه الموازنة يجب أن تكون عجائبية، وتحتاج مقصاً يقطع النفقات غير المجدية، وعناية أكبر بالمداخيل لتحقيق التوازن المطلوب».
وصفة حل الأزمة، كما يوردها صفير، تقوم على أساس قطع النفقات غير المجدية والبحث عن مداخيل إضافية للدولة. العجز في موازنة عام 2019 بلغ 6.8 مليار دولار. ويشرِّح صفير أزمة الموازنة إلى 3 نقاط أساسية؛ الأولى هي مشكلة الكهرباء، فلبنان يدفع سنوياً 2.65 مليار دولار لدعم الكهرباء، وقطع هذا الدعم من شأنه أن يخفف نحو ثلث الدين العام «بشخطة قلم»، خصوصاً أن هذا الدعم غير مجدٍ، والكهرباء غير موجودة بالكفاءة المطلوبة. والحل لهذه الأزمة يكون، إما بقطع الدعم، «حتى لو اضطررنا للجلوس في العتمة لإنقاذ البلاد»، أو بالتخصيص وتسليم القطاع لشركات تمتلك الخبرة، وربما يتم التوفير على جيب المواطن، كما على خزينة الدولة حينها.
المدخل الثاني للحل، حسب صفير، هو زيادة المداخيل عبر ضرائب محددة تطال أولاً علبة التبغ التي «لا يجوز أن تبقى بسعرها الحالي الذي يقل أضعافاً مضاعفة عن أي بلد متقدم». ويقترح إضافة 5 دولارات على كل علبة من علب التبغ التي يبلغ حجم استهلاك لبنان منها 500 مليون علبة سنوياً. وفي بند المداخيل أيضاً إعادة النظر بسعر الضريبة على القيمة المضافة، كما على الوقود.
المدخل الثالث للحل، هو في نفقات القطاع العام، فالدولة تدفع سنوياً نحو 6.4 مليار دولار رواتب للموظفين. ومع تشديد صفير على أنه لا يمكن المس بالموظفين، يؤكد أن حل هذه المسألة يحتاج إلى معالجة متوسطة وبعيدة المدى، لكنه يشدد على ضرورة وقف التوظيف في القطاع العام فوراً.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.