الرئاسة اللبنانية تمهّد لملاحقة مروّجي انهيار الليرة

TT

الرئاسة اللبنانية تمهّد لملاحقة مروّجي انهيار الليرة

لا يقتصر التعميم الصادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية، أول من أمس، على تحديد المواد القانونية والعقوبات التي يمكن إنزالها بحق «مرتكبي جرائم النَّيل من مكانة الدولة المالية»، بل يؤشر بوضوح إلى «ملاحقات قضائية ستشمل كل مَن روّج لانهيار الليرة اللبنانية، وأوحى بوجود أزمة سيولة»، حسب مصادر مقرّبة من الرئاسة.
وأكدت المصادر أن «الدولة لن تسكت عن كمية الشائعات التي جرى ضخّها وتحدثت عن إفلاس مصارف، ووقف استقبال ودائع والتبشير بقرب انهيار العملة الوطنية». وتوعدت بأن «الملاحقات ستطال كلَّ من استهدف الاستقرار المالي في البلاد».
كان المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية قد ذكّر في التعميم بنصوص المواد القانونية التي تحظر «تلفيق وقائع أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة»، وبأن عقوبة هذه الجرائم «تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات مالية».
وفسّر قانونيون هذا البيان بأنه «ضوء أخضر» للشروع بملاحقة وسائل إعلام وخبراء اقتصاد وناشطين، أبدوا آراءهم في الأزمة المالية الأخيرة. ولم تنفِ مصادر مقرّبة من قصر بعبدا وجود توجّه لـ«ملاحقة المتورطين في الإشاعات». وأكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن التعميم «موجّه لكل من أشاع أو روّج لانهيار الليرة عن قصد»، مشيرين إلى أن «رئاسة الجمهورية أرادت التذكير بأن المساس بالعملة الوطنية يعاقب عليه القانون، وكي لا يتذرّع أحد عند ملاحقته بأنه غير مدرك لأبعاد ما يقوم به». وأضافوا: «هناك كمية هائلة من الإشاعات التي تم الترويج لها، والتحدث عن مصارف على وشك الإفلاس، ومصارف لم تعد تستقبل ودائع ولا تدفع الأموال للمودعين، وكلام عن قرب انهيار الليرة، وهذا الجوّ السلبي خلق حالة من الذعر في البلد لا يمكن السكوت عنه».
تأتي هذه الإجراءات بالتزامن مع حالة من القلق والاضطراب من دخول لبنان في أزمة مالية، من جرّاء شح الدولار في الأسواق، وبيعه بأسعار مرتفعة في السوق السوداء ولدى الصرافين، وامتناع المصارف عن إجراء تحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار. وإذ اعترفت المصادر المقربة من الرئاسة بهذه الوقائع، قالت: «لا نخفي وجود أزمة ناتجة عن تلاعب الصرافين بالأسعار، وضخّ الإشاعات الكاذبة التي تشكّل جريمة بحق العملة الوطنية»، معتبرة أن «الليرة ليست ملك (رئيس الجمهورية) ميشال عون أو (رئيس الحكومة) سعد الحريري أو (حاكم مصرف لبنان) رياض سلامة، بل ملك الشعب اللبناني، لذلك جاء التنبيه إلى أن القانون سيعاقب كلّ من تورط في الإشاعات وروج لها»، مبديةً استغرابها لأن «اقتصاديين وغير اقتصاديين شاركوا في ضخّ هذه الإشاعات التي ولّدت قلقاً لدى الناس». وشددت على أن «كل من يستهدف الوضع المالي لن يكون بمنأى عن المحاسبة». وكشفت أنه «بعد صدور هذا التعميم، اختفت 90% من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي».
من جهته، رأى وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار أن هذا التعميم «يأتي في صلب الردود الصادرة عن القصر الجمهوري، على كل الروايات التي أوحت بإمكان تراجع قيمة الليرة اللبنانية». لكنه لفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى توقّع أن يكون تذكير رئاسة الجمهورية بالمواد التي تعاقب على ترويج الإشاعات «ناتجاً عن استفظاع أحداث الأحد والتحركات الشعبية».
وقال: «لا شكّ أن هذه الطريقة مستغربة في محاولة ردع البعض، لأن القانون لا يحتاج الناطق باسم رئاسة الجمهورية إلى التذكير به، وبما يحتوي من مواد وعقوبات، وكان الأحرى بالسلطات القضائية أن تقوم بهذا الإجراء وليس بيانات تصدر عن القصر الجمهوري»، لافتاً إلى أن البيان «يعبّر عن حسن نية من أجل السلامة المالية، ولتأكيد حرص رئاسة الجمهورية على الاستقرار العام».



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.