لبنان يعالج الضغوط المالية بـ«المسكنات»... وترقب دولي لمساري الموازنة والإصلاح

المركزي يغطي بالدولار اعتمادات واردات القمح والنفط والدواء

لبنان يعالج الضغوط المالية بـ«المسكنات»... وترقب دولي لمساري الموازنة والإصلاح
TT

لبنان يعالج الضغوط المالية بـ«المسكنات»... وترقب دولي لمساري الموازنة والإصلاح

لبنان يعالج الضغوط المالية بـ«المسكنات»... وترقب دولي لمساري الموازنة والإصلاح

وسع مصرف لبنان المركزي من دائرة تدخله للحد من الاضطراب النقدي وكبح المضاربات في الأسواق المالية، عبر تكفله بتغطية العملات الصعبة لاعتمادات السلع الأساسية الشاملة لمستوردات القمح والمشتقات النفطية والأدوية، بالتوازي مع الإيعاز للمصارف بقبول السداد بالعملة الوطنية لقروض التجزئة الخاصة بالأفراد، سواء كانت معقودة بالليرة أو بالدولار.
وضمن شروط محددة تهدف إلى حصر التغطية بالمستوردات المحددة، أتاح «المركزي» للمصارف التي تفتح اعتمادات مستندية مخصصة حصرا لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) أو القمح أو الأدوية، الطلب من مصرف لبنان تأمين قيمة هذه الاعتمادات بالدولار. مما ينزع عمليا ذريعة الطلب التجاري المضخم على الدولار، ويفرض على المستوردين عمليا قبول التعامل بالليرة في عمليات التسليم، وإعادة تحويلها بالسعر الرسمي عند فتح اعتمادات جديدة.
ولوحظ أن التدخل الموعود خفف جزئيا من موجة الضغوط التي تعانيها الليرة في عمليات التبديل لدى الصرافين، بعد ارتفاعات اتسمت بالعشوائية أوصلت سعر الدولار في التداول السوقي والاستهلاكي إلى عتبة 1700 ليرة، بينما عمدت المصارف إلى التشدد أكثر في تقييد عمليات سحب النقد الورقي بالدولار (البنكنوت)، بهدف استيعاب الضغط الموازي على أجهزة الصرف الآلي، حيث تلتزم البنوك بالهامش السعري بين 1501 و1514 ليرة لكل دولار. وهو الهامش المعتمد لتدخل البنك المركزي كان بائعا أو شاريا للمبالغ الفائضة في السوق.
وتسعى المصارف إلى احتواء الطلب عبر تقييد عمليات سحب النقد الأجنبي من أجهزة الصرف الآلي بحدود تراوح بين 500 و2000 دولار، وبتحديد عدد العمليات في اليوم الواحد سواء تمت ضمن هذا السقف أو بما يتعداه. كما لجأت بعض المصارف لحصر عمليات السحب بزبائن البنك فقط، وبحسب توفر السيولة الورقية لدى كل بنك، مع مواصلة إتاحة السحب للبطاقات كافة بالليرة اللبنانية. وبذلك زادت موجات الطلب لدى الصرافين وتجار العملة، وحصل رفع هوامش التسعير. وهي نتيجة تلقائية بين تقلص المعروض ومضاعفة المطلوب.
وأقر وزير المال علي حسن خليل، في معرض شرح مشروع قانون موازنة 2020 المؤمل تحويله إلى المجلس النيابي قبل منتصف الشهر الجاري، أن لبنان في «وضع اقتصادي ومالي صعب، لكننا لسنا بلداً منهاراً... على المستوى المالي ما زالت لدينا القدرة على القيام بتلبية الاحتياجات. نعم لا يوجد كمية كبيرة من السيولة بالعملات الأجنبية بين أيدي الناس في السوق. لكن سعر صرف الدولار ما زال محافظاً على نسبته وعلى وضعه في المصارف. كل العمليات التي تتم في المصارف التجارية اليوم تتم على أساس التسعيرة الرسمية للدولار. 95 في المائة وأكثر من المعاملات بالدولار تتم في المصارف على هذا الأساس. الذي نشعر به هو أن السيولة بين أيدي الناس غير متوفرة في إطار المعاملات بالمفرق عندما لا يتوفر الدولار ويتوجه الناس إلى الصرافين الذين يحاولون أن يستفيدوا من هذه العملية للتلاعب بسعر الصرف، لكن يهمنا أن نقول إن هذا الأمر لا تأثير له ولا يعكس حقيقة الالتزام بتأمين مستحقات الدولار».
ولاحظ مسؤول مالي كبير، فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أن «المعالجات التسكينية لا تزال طاغية وتركز على إفرازات الأزمة المالية المستفحلة، عوضا عن التفعيل الجدي للمقاربات الموضوعية للمشكلات المعقدة في أداء المالية العامة والتكلفة العالية للقطاع العام والعجز المستعصي في مؤسسة الكهرباء، حيث يلتهم الإنفاق على المخصّصات والرواتب وملحقاتها والتحويلات لتغطية عجز الكهرباء نحو 87 في المائة من الإنفاق الأولي للموازنة (دون احتساب تكلفة خدمة الدين العام)، وضبط التهريب عبر البوابات الشرعية وغير الشرعية ومكافحة الفساد ومحاصرة التهرب الضريبي. ففي هذه المجالات تكمن النواة الصلبة التي ترهق الاقتصاد بخسائر سنوية لا تقل عن 10 مليارات دولار سنويا، وفقا لتقديرات أغلب المؤسسات المالية الدولية».
ويندرج في هذا السياق إعلان شركة موديز للتصنيف الائتماني أمس، أن لجنة مراجعة التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية قررت الإبقاء على التصنيف الحالي Caa1. وفي المقابل وضعت تصنيف لبنان «قيد المراقبة»، وباتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي. وستقوم موديز خلال هذه الفترة بتقييم أداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة العام 2020، حيث تؤكد وزارة المال أن «هذا الالتزام سوف يعزز الثقة ويؤمن الدعم الخارجي».
ومن المرجح أن تضيف خطوة البنك المركزي أعباء جزئية على احتياطه من العملات الصعبة، كونه كان يقوم بهذا الدور سابقا عبر تلبية احتياجات البنوك، إنما من دون التزام مباشر. وتقدر مبالغ مستوردات هذه السلع سنويا بين 6 إلى 7 مليارات دولار سنويا، بينها نحو 4 مليارات للمحروقات و1.2 مليار للدواء، وهي تتحرك خصوصا وفقا لأسعار النفط، حيث تتكفل وزارة المال بتغطية تكلفة المشتقات النفطية الخاصة باستهلاك معامل إنتاج الكهرباء.
ووفق أحدث الإحصاءات حتى منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، أظهرت ميزانية مصرف لبنان انكماشاً سنويا في قيمة الموجودات الخارجيّة بنسبة 10.67 في المائة، توازي نحو 4.62 مليار دولار، لتصل إلى 38.68 مليار دولار، مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في منتصف شهر سبتمبر من العام الماضي، والبالغ حينها 43.33 مليار دولار. وفي حال عزل محفظة سندات اليوروبوند التي يحملها مصرف لبنان، والبالغة قيمتها 3.2 مليار دولار، تصبح قيمة الاحتياطيات بالعملة الأجنبيّة 35.5 مليار دولار. وتُشكِّل الموجودات الخارجيّة واحتياطيات الذهب المجمعة، كما هي واردة في بيانات المركزي في منتصف سبتمبر، نحو 61.15 في المائة من الدين العام الإجمالي و68.23 في المائة من صافي الدين العام، وهي تغطّي 116 شهراً من خدمة الدين.
تجدر الإشارة إلى أنه وبموجب القرار المعدل المتعلق بتعاملات الاعتمادات والبوالص المستندية، على المصارف أن تقدم إلى مصرف لبنان نسخة عن المستندات المتعلقة بكل اعتماد مستندي سيما نص بوليصة الاعتماد المستندي واتفاقية التمويل الموقعة بين المصرف المعني وعميله بهذا الشأن. وأن تودع في كل حساب خاص ولكل اعتماد مستندي على حدة، 15 في المائة على الأقل من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالدولار، و100 في المائة من قيمة الاعتماد المستندي المطلوب بالليرة اللبنانية. ويمكن للمصرف المعني، بتاريخ إيداعه هذه القيمة، الطلب من مصرف لبنان تحويل ما يوازي هذه القيمة إلى الدولار، على أن تبقى في الحساب الخاص المودعة فيه لفترة لا تقل عن ثلاثين يوما، أو لغاية تاريخ الاستحقاق المبين في اتفاقات التمويل الموقعة مع كل عميل، أو لغاية تاريخ استحقاق القبولات المصرفية. على أن تدفع إلى مصرف لبنان عمولة قدرها 0.5 في المائة عن كل عملية.
كذلك على المصارف التأكيد على مسؤوليتها من حسن تطبيق الشروط المنصوص عليها ومن الغاية التي وضعت من أجلها تحت طائلة اتخاذ مصرف لبنان الإجراءات التي يراها مناسبة، لا سيما إلزام المصرف المخالف بإيداع احتياطي خاص لا ينتج فائدة لدى مصرف لبنان، وذلك بما يوازي قيمة المبالغ المبينة.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.