الحريري يحصّن النيابات العامة من التدخلات السياسية

TT

الحريري يحصّن النيابات العامة من التدخلات السياسية

أثار التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وطلب فيه من الوزارات والإدارات العامة والبلديات، مخاطبة النيابات العامة والقضاء بواسطة النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات حصراً، بلبلة في الأوساط القضائية. وتباينت التفسيرات حيال هذا الإجراء، بين من اعتبر فيه تقويضاً لصلاحيات النيابات العامة، وبين من رأى فيه إجراء طبيعياً يضع حداً لتفلّت عمل هذه النيابات، ويخرجها من الاستتباع السياسي لهذا الفريق أو ذاك.
وكان الحريري أصدر تعميماً الأسبوع الماضي، طلب فيه من جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والبلديات «التقيد بالقوانين، واحترام أصول التخاطب لناحية مراسلة قضاة النيابات العامة على اختلافها وتنوعها، (نيابات عامة استئنافية - نيابة عامة مالية - مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية)، من خلال النائب العام التمييزي حصراً». ووضع هذا التعميم موضع التنفيذ، إذ بدأت الإدارات بتنفيذ مضمونه، رغم الغبار الذي أثاره البعض حوله.
وفي حين رأت مصادر متابعة أن هذا الإجراء «يهدف إلى تصويب عمل النيابات العامة، ويضع حداً للتفلّت في بعض قراراتها»، ربطت ذلك في استتباع كل نيابة عامة لفريق سياسي تعمل بإيحاءاته، وتتلقى تعليماته في قرارات الملاحقة وتحريك الدعوى العامة.
إلا أن مصدراً قضائياً بارزاً عبّر عن رفضه لهذه السياسة، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «معالجة أي خلل في تطبيق القانون تستدعي وضع اليد على هذا الخلل، لا أن تخلق خللاً إضافياً». ورأى أن تعميم رئيس الحكومة «يحوّل النائب العام التمييزي إلى صندوق بريد للنيابات العامة الأخرى، وهذا يخالف مبدأ قانونيا أساسيا، وهو حق الوصول إلى القضاء».
ولا يختلف رجال القانون على أن بعض القرارات خرجت عن إطار العمل القضائي البحت، «وهذا يحتّم لجم الوضع القائم عبر سلطة رقابة تضبط مسار النيابات العامة، حتى لا تكون القرارات القضائية عرضة للتشكيك». غير أن المصدر القضائي رأى أن «سبب القرار أبعد من ذلك، ويهدف إلى تقليص صلاحيات النيابات العامة الأخرى، والحدّ من حقوق الجهة التي تخاطب النيابات العامة، وهذا أمر غير مبرر». وسأل: «لماذا تمرير كلّ المراسلات، وتحويل النيابة العامة التمييزية إلى مصفاة لتنقية الشكاوى والإخبارات، بحيث تقبل بعضها وترفض البعض الآخر؟». ورأى أن «تعميم الحريري جاء استكمالاً لتعميم صدر قبله عن القاضي غسان عويدات، وهذا يدلّ على أن الأمور تسير وفق اتفاق سياسي لا يستند إلى مبرر قانوني».
في المقابل، أوضحت مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة لـ«الشرق الأوسط» أن «التعميم ليس له أي أبعاد أو خلفيات سياسية، بل يهدف إلى ضبط إيقاع عمل النيابات العامة، بحيث لا يبقى كل نائب عام فاتحاً على حسابه»، مؤكدة أن «هذه السياسة الجديدة يعتمدها النائب العام التمييزي، وهو يطبّق القانون، ويضع حداً لتدابير شكلت خللاً في عمل النيابات العامة ودورها».
المبررات التي ساقتها مصادر رئيس الحكومة، تقاطعت مع تفسير الخبير القانوني والدستوري الدكتور سعيد مالك الذي اعتبر أنه «لا مشكلة قانونية في تعميم رئيس الحكومة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون أصول المحاكم ينص على أن النائب العام التمييزي هو رئيس النيابات العامة الاستئنافية والنيابة العامة المالية والنيابة العامة العسكرية، وكلّها تخضع لسلطته وتعمل بموجب تعليماته وتحت إشرافه». لكنه لفت إلى أن «العادة درجت منذ زمن بعيد على أن النيابات العامة تستقبل الشكاوى وتفتح تحقيقات فيها من دون مراجعة النائب العام التمييزي».
ولا يستبعد مالك وجود خلفيات سياسية لبعض الملاحقات أو الدعاوى التي تقدّم. وقال: «لم يعد خافياً على أحد أن هناك دعاوى بحق أشخاص تسير بشكل روتيني، ودعاوى مماثلة يجري حفظها لعدم تعريض أصحابها للملاحقة، وهذا لا يمكن فصله عن التأثير السياسي». ولفت إلى أن «تعميم رئيس الحكومة قانوني وصحيح، ومستند إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.