تقنية الواقع الافتراضي لاستعادة الذاكرة

لم ينجح باتريك ماي في تذكّر ارتداء نظارته أو أين تركها... ولكنّه أصبح اليوم قادراً على ذلك عندما يرتدي نظارة الواقع الافتراضي مرّتين أسبوعياً.
«إنها ضبابية» قال ماي لموظف مساعد في دار «سيغنتور بوينت سينيور ليفينغ» لكبار السنّ في دالاس، كان يساعده على ارتداء نظارته بالشكل الصحيح. ضبط الموظّف نظارة الرجل المسنّ فظهرت الصورة أمامه واضحة.
يعيش ماي في وحدة العناية بالذاكرة في الدار، التي يعاني جميع نزلائها من أحد أنواع صعوبات الذاكرة بسبب إصابتهم بمرض ألزهايمر وغيره من أمراض الخرف.
«نظارات الذاكرة»
يأمل كريس بريكلر، الشريك المؤسس لشركة «مايند في آر». (MyndVR) في دالاس أن تساعد نظارات الواقع الافتراضي البالغين مثل السيد ماي في استعادة أو تكرار لحظات مهمّة في حياتهم. وتختص هذه الشركة في توظيف الواقع الافتراضي لخدمة الطاعنين في السنّ الذين يعيشون في دور الرعاية الدائمة.
تذكّر ماي أنّه كان يمارس غوص السكوبا فطلب من أحد المساعدين أن يضعه في محاكاة لهذا النوع من الغوص، بعد أن كان الرجل قد اعتاد في الماضي على الاستمتاع بالغطس على شواطئ تكساس.
نقلته هذه المحاكاة عبر قارب صغير إلى الغوص مرّة أخرى في المياه الزرقاء. «آه، ما كلّ هذه الأشياء؟» قال ماي وهو يحرّك رأسه في جميع الاتجاهات ويدفع كرسيّه المتحرّك في جميع أنحاء الغرفة إلى مناطق مختلفة من المحيط الافتراضي الذي يعجّ بالأسماك والشعاب المرجانية والسلاحف الموسمية... «آه، هذه أمنية كلّ صيّاد» أضاف ماي أيضاً ضاحكاً عندما شاهد سربا من الأسماك يمرّ بجانبه.
«سيغنتور بوينت» هي مجموعة من منشآت الرعاية التي تديرها «لايف كير سيرفسز» للخدمات، وواحدة من 35 منشأة محليّة تستخدم التقنية. وتدرج المنشأة الواقع الافتراضي في نشاطات المقيمين فيها، وتمنحهم فرصة استخدام النظارة مرّتين أسبوعياً للاستفادة منها في جميع قدراتهم الإدراكية. ويزوّد موظّفو «سيغنتور بوينت» شركة «مايند في آر» بالنتائج التي يحصلون عليها على شكل استطلاعات للرأي.
وكانت نانسي ماك آرثي، مديرة قسم المبيعات والتسويق في «سيجنتور بوينت» قد أحضرت جهاز «مايند في آر» إلى المركز بعد اطلاعها على فوائده المحتملة.
تقول ماك آرثي إنّ «المقيمين يستمتعون بالنظارة كثيراً، وأكثر بكثير مما اعتقدت». أسّس بريكلر، مسؤول تنفيذي ومستشار سابق في سيليكون فالي، شركة «مايند في آر» في دالاس عام 2017، بالتعاون مع صديق يدعى شون ويورا يعمل في مجال تقنيات الرعاية الصحية.
بدأت الشركة عملها انطلاقاً من اهتمامات مشتركة تتلخص بسؤال: «كيف يمكننا أن نحسّن حياة كبار السنّ بالاعتماد على الواقع الافتراضي والموسيقى؟» في ذلك العام، اختبرت الشركة التقنية على المئات من كبار السن في خمس ولايات وجمعت النتائج بعد كلّ اختبار. صحيح أنّ بريكلر كان متفائلاً بالتقنية، إلّا أنّه لم يكن يتوقّع التأثير الذي يشهده اليوم، وقال: «نحن أمام تقدّم مستمرّ في دور الواقع الافتراضي ومساهمته في مجال العناية الصحية».
سوق هائلة
طرحت «مايند في آر» هذه التقنية رسمياً في أبريل (نيسان) 2018 وهي اليوم تستخدم لخدمة فئة كبار السن في أكثر من 20 ولاية وتتضمّن حزمة المنتج الرئيسية النظارات، بالإضافة إلى دعم تقني ومحتوى جديدين يطرحان شهرياً، مقابل 500 دولار في الشهر. ولكنّ الأسعار تختلف بحسب حجم دار المسنين وحاجات قاطنيه.
وتحدّث تقرير نشره موقع أخبار «سينيور هاوس» عن تزايد في استخدام هذه الأجهزة في التعامل مع حالات مختلفة كالعزلة والعناية بمرضى الخرف والسيطرة على الألم وتدريب فرق العمل. وتناول التقرير خمس شركات تضع الواقع الافتراضي في خدمة دور رعاية المسنّين واعتبر أنّ هذه التقنية قد تشكّل فرصة مؤثّرة لفئة كبار السنّ في شمال تكساس، لا سيّما أنّ مقاطعة دالاس وحدها تضمّ أكثر من 255000 بالغ بسن الـ65 سنة وما فوق، بحسب بيانات إحصاء السكّان الرسمي.
إنّ ما يميّز شركة «مايند في آر» عن الشركات الأخرى هو توفيرها تجربة الواقع الافتراضي لكبار السن على اختلاف قدراتهم الإدراكية. ولكنّ بريكلر شدّد على أنّها فعّالة بشكل خاص للكبار القاطنين في وحدة الذاكرة أو الذين ما عادوا قادرين على السفر.
يأمل القيّمون على هذه التقنية أن يساعد الواقع الافتراضي على تنشيط مناطق الدماغ التي تتصل بالذاكرة والإدراك بنفس الطريقة التي تتصل بها الموسيقى أو العلاجات غير التقليدية الأخرى.
وأكّد بريكلر أنّه وعلى الرغم من عدم تسجيل بيانات طبية حول نظارة «مايند في آر»، توجد بعض الدلائل المتناقلة التي تتحدّث عن نتائج واعدة لدى مرضى وحدة العناية بالذاكرة، وواصفاً إيّاها «بالتقنية الشديدة القوة القادرة على إرجاع الناس إلى وضع الذاكرة الطبيعية».
ولفتت ماك آرثي إلى أنّ التقنية تتيح للموظفين التعرّف إلى كبار السنّ وتجاربهم والأمور التي يحبونها والأخرى التي لا يحبّونها، إلى جانب تنشيط ذاكرتهم.
مغامرات جديدة
تمنح هذه التقنية كبار السنّ فرصة الذهاب في رحلات سفاري افتراضية أو زيارة معالم أثرية لم يتمكّنوا من رؤيتها.
يستخدم منتج «مايند في آر» الحالي إكسسوار الرأس «إتش تي سي فايف» (HTC VIVE) ونظام لائحة يضمّ مئات الخيارات. تعمل الشركة على ابتكار وترخيص محتواها الخاص للواقع الافتراضي، من الحفلات إلى الرحلات، بالإضافة إلى فئات شعبية أخرى كالحيوانات والطبيعة والسفر.
كما تعمل على تصوير محاكاتها الواقعية بنفسها. يقول بريكلر إنّ الواقعية مهمّة جدّاً لهذه الفئة التي لم تكبر وهي تشاهد «دونكي كونغ» ولا تألف عالم الصور والمشاهد المصممة على الكومبيوتر.
يشاهد قاطنو وحدة الرعاية الدائمة في «سيغنتور بوينت» مجموعة من مواد المحاكاة التي تتراوح مدّتها بين 15 و20 دقيقة. ومثلا، جلس أحد المرضى ويدعى روبرت باشر دون حركة على الأرض بعد أنّ أخذته النظارة في رحلة غوص افتراضية. يتحرّك هذا المريض عادة أقلّ من الآخرين الذين يميلون برؤوسهم وأجسادهم عندما يدخلون إلى البيئات الافتراضية.
يعاني السيد باشر من مرض باركينسون ويظهر عليه الارتجاج الدائم في يديه وجسمه. ولكن بعد استخدام نظارة الواقع الافتراضي، وجد المساعدون في الدار أن حدّة عوارض مرضه قد تراجعت. وهذه الآثار الإيجابية التي ظهرت تدوم لفترة تتراوح بين 15 دقيقة وساعة، الأمر الذي اعتبرته ماك آرثي مفاجئاً جداً.
أمّا كارول مونجوفن، مقيمة أخرى من الدار، فتضحك أثناء مشاهدتها لمحاكاة عبر النظارة. فقد ذهبت في رحلتها الافتراضية إلى هاواي، الجزيرة التي لطالما رغبت بزيارتها، وسمحت لها التقنية أيضاً بالسفر إلى «استوديوهات يونيفرسال هوليوود» لزيارة «جوراسيك بارك».
وأثناء الحديث عن تجربتها، قالت مونجوفن إنّها «رأت أماكن لم تكن لتستطيع زيارتها بطريقة أخرى، وشعرت أنّها شديدة الواقعية. إنّها مذهلة».
تعمل تقنية «مايند في آر». اليوم في خدمة كبار السن فقط، ولكن بريكلر يعتقد أنّها قابلة للاستخدام على نطاق أوسع في المنازل، واصفاً إيّاها بـ«الفضاء المفتوح والواسع».
- «ذا دالاس مورنينغ نيوز»، خدمات «تريبيون ميديا».