على مدى سنوات التدخل العسكري الروسي في سوريا عانت موسكو من غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة لما تريده في هذا البلد. ومرت التجربة السورية بالنسبة لموسكو بتداعيات كبيرة؛ بينها التباينات الواسعة بين وجهتي النظر الدبلوماسية والعسكرية لمسار الأحداث في سوريا، وهو أمر اتضح في «التنافس» بين مؤسستي وزارتي الخارجية والدفاع، الذي تم حسمه لصالح المؤسسة العسكرية التي غدت صاحبة القرار الأول في سوريا، وصولاً إلى الرؤية النهائية التي تسعى موسكو لتحقيقها.
لكن غياب الرؤية الشاملة لم يشكل عائقاً، بقدر ما أتاح مجالاً أوسع للمناورة على الأرض السورية، وهذا برز من خلال تغيير التكتيكات المختلفة تباعاً، منذ أن أعلنت موسكو أن حملتها في سوريا لن تزيد على 3 أشهر، وصولاً إلى ترسيخ وجود دائم لموسكو على المياه الدافئة.
ومع «الإنجازات» الميدانية في سوريا كانت موسكو تولي اهتماماً أكبر للمتغيرات الجارية حولها؛ إذ قاد التقارب الروسي - التركي إلى تبدل مهم بالنسبة لموسكو في طبيعة التعامل مع تحديات أساسية؛ بينها توسيع حلف الأطلسي في الفضاء الذي عُدّ تقليدياً ساحة النفوذ الحيوي لروسيا، لذلك يحمل الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط من خلال نشر منظومات «إس400» وغيرها من آليات التسليح والرقابة والرصد، دلالات مهمة ليس للتأثير على المسار السوري وحده؛ بقدر ما يلعب دوراً في تغيير موازين القوى الإقليمية لصالح تعزيز الوجود الروسي على خاصرة حلف شمال الأطلسي جنوباً. بهذا المعنى، كما يقول خبراء عسكريون، فإن موسكو مع مساعي توسعها في أميركا اللاتينية، فهي انتقلت من زاوية مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة ومساعي فرض طوق عسكري عليها في الفضاء السوفياتي السابق، إلى مرحلة «توسيع مسرح المواجهة» وتوجيه ضربات أساسية إلى مراكز القوة لدى الحلف الغربي.
بهذا المعنى ينظر خبراء عسكريون روس إلى «التحالف» الروسي - التركي حالياً، وإلى محاولات موسكو تعميق الشرخ في العلاقة التركية - الأميركية والتركية - الأطلسية انطلاقاً من المستجدات التي فرضها الوجود في سوريا.
وبهذا المعنى أيضاً، باتت سوريا تشكل رافعة أساسية للسياسة الخارجية الروسية وفقاً لتأكيدات أوساط بحثية في موسكو ترى أن السنوات الأربع الماضية وفّرت للكرملين، رغم كل المتاعب التي أحاطت بها، آفاقاً لم يكن من الممكن تطويرها لسنوات طويلة من العمل، وبعبارة أخرى؛ كما قال خبير روسي: «لو لم تكن لدينا سوريا في هذا التوقيت بالذات، لتوجب علينا أن نجدها بطريقة أو بأخرى».
تبدل في الأولويات الروسية منذ 2015
تبدل في الأولويات الروسية منذ 2015
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة