تبدل في الأولويات الروسية منذ 2015

TT

تبدل في الأولويات الروسية منذ 2015

على مدى سنوات التدخل العسكري الروسي في سوريا عانت موسكو من غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة لما تريده في هذا البلد. ومرت التجربة السورية بالنسبة لموسكو بتداعيات كبيرة؛ بينها التباينات الواسعة بين وجهتي النظر الدبلوماسية والعسكرية لمسار الأحداث في سوريا، وهو أمر اتضح في «التنافس» بين مؤسستي وزارتي الخارجية والدفاع، الذي تم حسمه لصالح المؤسسة العسكرية التي غدت صاحبة القرار الأول في سوريا، وصولاً إلى الرؤية النهائية التي تسعى موسكو لتحقيقها.
لكن غياب الرؤية الشاملة لم يشكل عائقاً، بقدر ما أتاح مجالاً أوسع للمناورة على الأرض السورية، وهذا برز من خلال تغيير التكتيكات المختلفة تباعاً، منذ أن أعلنت موسكو أن حملتها في سوريا لن تزيد على 3 أشهر، وصولاً إلى ترسيخ وجود دائم لموسكو على المياه الدافئة.
ومع «الإنجازات» الميدانية في سوريا كانت موسكو تولي اهتماماً أكبر للمتغيرات الجارية حولها؛ إذ قاد التقارب الروسي - التركي إلى تبدل مهم بالنسبة لموسكو في طبيعة التعامل مع تحديات أساسية؛ بينها توسيع حلف الأطلسي في الفضاء الذي عُدّ تقليدياً ساحة النفوذ الحيوي لروسيا، لذلك يحمل الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط من خلال نشر منظومات «إس400» وغيرها من آليات التسليح والرقابة والرصد، دلالات مهمة ليس للتأثير على المسار السوري وحده؛ بقدر ما يلعب دوراً في تغيير موازين القوى الإقليمية لصالح تعزيز الوجود الروسي على خاصرة حلف شمال الأطلسي جنوباً. بهذا المعنى، كما يقول خبراء عسكريون، فإن موسكو مع مساعي توسعها في أميركا اللاتينية، فهي انتقلت من زاوية مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة ومساعي فرض طوق عسكري عليها في الفضاء السوفياتي السابق، إلى مرحلة «توسيع مسرح المواجهة» وتوجيه ضربات أساسية إلى مراكز القوة لدى الحلف الغربي.
بهذا المعنى ينظر خبراء عسكريون روس إلى «التحالف» الروسي - التركي حالياً، وإلى محاولات موسكو تعميق الشرخ في العلاقة التركية - الأميركية والتركية - الأطلسية انطلاقاً من المستجدات التي فرضها الوجود في سوريا.
وبهذا المعنى أيضاً، باتت سوريا تشكل رافعة أساسية للسياسة الخارجية الروسية وفقاً لتأكيدات أوساط بحثية في موسكو ترى أن السنوات الأربع الماضية وفّرت للكرملين، رغم كل المتاعب التي أحاطت بها، آفاقاً لم يكن من الممكن تطويرها لسنوات طويلة من العمل، وبعبارة أخرى؛ كما قال خبير روسي: «لو لم تكن لدينا سوريا في هذا التوقيت بالذات، لتوجب علينا أن نجدها بطريقة أو بأخرى».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.